إن البحث في أعمال الإعلامي توفيق عوني يستلزم منكَ أن تكون قارئا من طراز خاص، طراز أشبه بصياد اللآلئ، يعرف كيف يغوص في الأعماق ويخرج ومعه درة فريدة من تلك الدرر التي كتبها بإصداره الأخير، والذي يستهلُ صاحبهُ بمقدمته مُخاطبا قراءهُ جميعاَ "ستجدونني اعتديت مع سبق النيّة والقصد على كل القوالب والمناهج والأنساق والأنماط التقليدية الجاهزة، ستبحثون عن رابط يربط الصفحة بالتالية أو الفكرة بالأخرى فلن تجدوا تماما مثلما لم تعد هناك روابط تربط شارعا بأخر أو مدينة بأخرى أو صباحا بمساء، ستجدونني أشبه لحظاتكم المرتبكة المنهكة الغامضة المتشابكة". وأصدر الإعلامي والكاتب توفيق عوني في سابقة تُعدُ الأولى بالجزائر كتاباً تحت عُنوان "قصفبوكيات" عن "دار الألمعية للنشر" بقسنطينة، والذي يتضمنُ منشوراته الفيسبوكية التي أتت لتُعالج مختلف القضايا السياسية، الاجتماعية والثقافية بأسلوب نقدي ساخر أبدع صاحبهُ في تمرير العديد من الأفكار والرسائل الواضحة منها والمُشفرة، نلمسُ قوتها وبُعد ميلادها عند كل قراءة لمنشور ما. وفي المُؤلف أيضا حيزٌ هام سلّط فيه الكاتب الضوء على تطورات عديدة اختصرت مراحل الوضع العام بالجزائر شمل جميع القطاعات، بأسلوب تستطيع أن تدرك من خلاله "وطنية" التدوين لدى الكاتب، الذي لم يتنوان لحظة عن تسجيل محطات لا حصر لها بواقعنا . والإصدار الذي لاقى مُؤخرا رَواجاً كبيرا لدى النُخبة الثقافية والكثير من الفئات التي أبدت إعجابها بهذا النوع من النشر، خُصوصا بمعرض الكتاب الدولي، قال عنهُ الكاتب والناقد الجزائري أحمد دلباني الذي وضع له تقديماً "هذه الكتابة: فلاش عابرٌ. إنها فعل انتباه. يقظة تربكُ مسارَ الحياة الداجنة". ومن يقرأ "قصفبوكيات" يرى فيها لمسة خاصة لا تتوافر لأي كاتب آخر مهما ذاعت شُهرته.. ولكن شهرة توفيق عوني كانت ومازلت محدودة في حدود من يُقدر مسيرة الرجل الطويلة بمجال الإعلام والسبب أن أسلوبهُ الساخر ب "قصفبوكيات" كانت هي أيضا من نوع خاص، لا يمكنُ أن يفهمها سوى من يُدركُ حقاً مغزى السُخرية فيها من جهة، وحجم الجدّية بها من جهة أخرى، وهذا يتوقف بالطبع على القليل من التأمل، يُمكنك بعدها أن تضحك من شدة الإبداع الذي تراهُ بالصورة السردية، التي رسمتها لك أفكار توفيق عوني. ولو تتبعنا أعماله لوجدناها قليلة كمًا.. لكنها رائعة كيفًا وأدبًا.. فكاتبنا كان ومزال إعلامياً وحسب من يُقدرون مسيرتهُ وفكرهُ فهوموسوعة ثقافية متنقلة وكذلك فلسفته الشديدة للأشياء وهى أهم ما يميزه وما يؤكده هذا الإصدار بنفس الوقت.