تنطبق هذه العبارة على كثير من الجزائريين وحتى عدد من أشقائنا التوانسة الذين فروا بجلدهم من الفوضى والخراب وحالة اللاأمن التي تعرفها تونس منذ أيام، فالحل كان للكثيرين هو العودة إلى أرض الوطن مخافة تعرضهم للابتزاز والسرقة والقتل أيضا، أمام تعاظم حجم الخراب الذي تشهده كل الولاياتالتونسية بعد عمليات الترويع التي تقودها عصابات يقال إنها من بقايا النظام الساقط. فالداخل إلى ''الخضراء'' مفقود والهارب منها مولود كما قالها أحد العائدين. أمام تفاقم الأوضاع في تونس، لم تجد العديد من العائلات الجزائرية أمامها بُدًّا من استغلال فرصة رفع حظر التجول المؤقت المفروض بموجب حالة الطوارئ التي شملت كل أرجاء الأراضي التونسية منذ فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي من البلاد، خاصة بعد الغلق غير المعلن للحدود مع الجزائر منذ الجمعة الماضي، سيما مع تطبيق قرار غلق المجال الجوي من قبل الجيش التونسي، وهو ما ترك أثرا عميقا لدى الجزائريين في تونس من عائلات وطلبة وتجار وحتى سائقي سيارات الأجرة . هروب حتمي في هذا الإطار تمكنت عائلة السيد (عبد الرحمان. ب) من ولاية قسنطينة وهي عائلة متكونة من خمسة أفراد، الأم والأب وثلاثة أولاد، من الفرار حقا حسبما أكده الوالد ل''البلاد''، لقد خرجنا من الجحيم، الحمد لله أننا تمكنا من الهروب من تلك النيران التي اشتعلت في كل مكان من البلاد، المشاهد لا يتصورها العقل، تونس أصبحت خرابا. بطبيعة الحال فإن هذا الرجل وهو مواطن جزائري مقيم بمنطقة ''أريانة'' التونسية عاش سنوات كاملة في تونس يشتغل هناك في شركة خاصة بالإعلام الآلي، لكنه ترك وراءه كل شيء من أجل أن يلوذ بالفرار وينقذ عائلته• بألم شديد وحسرة على ما شهدته تونس، يؤكد محدثنا أن ما عرفته تونس لم يكن في الحسبان، ولكن كانت هناك مؤشرات كبيرة ستدفع البلد نحو الانفجار حسب محدثنا• ليواصل قائلا ''نحن في الجزائر لدينا هامش كبير من الحريات، لكن هناك كل شيء محرم، الحديث في السياسة يعد ضربا من ضروب الخيال، الحديث عن الحقوق شيء غير موجود، الحديث عن التغيير لا يمكن الكلام عنه سوى بالهمس واللمز، الخوف استشرى بين التونسيين بسبب الفساد والرشوة وغيرها من الأشياء التي لا يمكن أن نعيد سردها لأنها مؤلمة• وأضاف المتحدث أن تونس بلد جميل ولديه كل المقومات ليعيش شعبه في أمن واستقرار، لكن كل شيء كان ينبئ بهذا الانفجار، مضيفا في الأخير ''من يصدق أن صفعة شرطية تونسية ستدخل البلاد في هذه الفوضى''، من كان يصدق فالخضراء صارت خرابا• بلهجة حزينة وبنبرات الخوف والتوجس وغير المصدق لما حدث في تونس وخصوصا في منطقة ''سوسة'' حيث تقطن السيدة ''كريمة وهي جزائرية من منطقة ''عين امليلة'' بولاية أم البواقي، تزوجت من لبناني في الثمانينيات لكنها ومن حسن حظها رجعت إلى الجزائر قبل انطلاق تلك الأحداث وخروج الجيش والمواطنين التونسيين إلى الشارع، ولكن من سوء حظ زوجها أنها تركته في ''سوسة'' لأنه رجل أعمال ولم تسمح له الظروف أن يترك أشغاله هناك كل شيء مسكوت عنه، كل شيء مغلق الآن، فالبلاد دخلت في حالة فوضى وخراب، خصوصا بعد حدوث انزلاقات القتل العشوائي واستمرار المطالب الشعبية بتحسين الوضع المعيشي. تشدد المتحدثة على أنها خرجت من تونس لظروف عائلية، لتجد نفسها مضطرة للاتصال بزوجها في كل نصف ساعة لتطمئن على حالته، في البداية كان الأمر صعبا أمام ما تناقلته وسائل الإعلام الثقيلة خصوصا الفضائيات العربية التي كانت تشاهدها باستمرار، وهو ما زاد من خوفها على زوجها. وتواصل المتحدثة أنها تنفست الصعداء عندما تم رفع الحظر الجوي وفتح الحدود لإمكانية السفر من وإلى تونس، وهي ستجازف للعودة إلى بيتها وزوجها رغم أنها برفقة ولديها. وحتى ال ''كلوندستان''. علقوا ماهو متعارف عليه أن تونس هي وجهة الجزائريين لاسيما في فصل الصيف، ما أدى إلى ازدهار السياحة، مما خلق تجارة اسمها ''كلوندستان'' حيث أصبح العديد من الجزائريين يشتغلون بطريقة غير شرعية في إطار ما يسمى ب ''كلوندستان، لكن مع هذه الأزمة التي تعرفها تونس، سيتم إغلاق كل منافذ أولئك من كانوا يسترزقون من العمل في نقل السياح والتجار من وإلى تونس. وفي هذا الصدد تأسف السيد (حساني س) وهو ''كلونديستان'' في تصريح آخر ل ''البلاد'' على الأوضاع التي تعرفها تونس، لاسيما أنه من المواظبين على السفر من عنابة نحو تونس، حيث يقوم بنقل المسافرين والسياح الجزائريين في نفس الطريق الذي تعود عليه لأكثر من عشر سنوات، لكن بعد هذه الأوضاع التي تعيشها مدينة ''المشموم''، سيتوقف عن العمل إلى أن تستتب الأوضاع• وقال المتحدث إنه في يوم هروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عاشت العاصمة التونسية، خاصة شارع ''بورفيبة'' حالة انتفاضة غير مسبوقة، وأقدم المواطنون التونسيون على إغلاق كل المحلات والمتاجر، فضلا عن توقف كامل للسيارات وهو ما أثر كثيرا على معنويات الجزائريين ممن تعودوا على السفر باستمرار من وإلى تونس. كما ذكر العديد من الفارين من تونس أن العديد من الطلبة الجزائريين دفعتهم الأوضاع للعودة إلى الجزائر عن طريق معبر ''أم الطبول'' وبعد تنقلات عديدة عبر عدة مناطق تونسية، في محاولة منهم للخروج رغم حجم المخاطر التي استوقفتهم. كما أنهم تأسفوا على الأوضاع التي تعرفها تونس وحالة الخراب الذي تعيشه معظم الولاياتالتونسية. كما أن عددا من ''التوانسة'' فضلوا ترك بلدهم والدخول إلى بلديات جزائرية في الحدود خوفا من الموت، وهو ما أكده عدد من الجزائريين الذين كانوا هناك وشاهدوا بأعينهم كيف أصبحت تونس، وأن أهلها ضاقوا ذرعا من تلك الأحداث التي أدخلتها في دوامة الفوضى