نعم نكتب أنها لحظة الحقيقة لدول الشمال المغاربي ، لشعوب وحكومات المغرب والجزائروتونس ، يكفي ما تم تضييعه من وقت وجهد في صراع إخوة عملت القوى العظمى على تأجيجه ، عندما نشاهد المؤامرات العالمية على الوطن العربي يتأكد أن المغرب العربي في قلب هذه المخططات ،ولن يهدأ لهم بال قبل رؤية دمائنا في الشوارع والخوف في عيون أطفالنا والكوليرا تنهش شعوبنا كما نشاهد في اليمن وسوريا وليبيا . أزمة قطر أعطتنا الكثير من الدروس ، أولها أن الغرب ليس له حليف ثابت غير مصالحه وإسرائيل ، فهاهي أمريكا تبيع قطر رغم الشراكة الإستراتيجية التي تجمعها معها ورغم احتضان قطر لقاعد العديد العسكرية الأمريكية أكبر قاعدة للعم سام في الشرق الأوسط ، كما بدا واضحا الرغبة الأمريكية في صب الزيت على النار بين الأشقاء الخليجيين ، من خلال تصوير الإدارة الأمريكية أنها منقسمة جزء منها يدافع عن قطر وجزء أخر يدعم السعودية ، وهي نكتة سمجة لا تنطلي إلا على الأغبياء ، فأمريكا موحدة وما يفعله أركان إدارتها ليس سوى تقسيم أدوار لإبقاء الفتنة مشتعلة كما حدث في سوريا من قبل والأزمة الكردية التي تستهدف وحدة تركيا زيادة على النار المشتعلة في ليبيا واليمن . كل هذا التأمر الفاضح يفرض على قادة الجزائروتونس والمغرب وهي دول متقاربة ومتداخلة جغرافيا وديمغرافيا ، وقفة تاريخية لرأب الصدع وحل مشاكلنا واختلافاتنا في إطار ودي وأخوي ودون إفساح المجال للآخرين للدخول بيننا ، لقد كان الموقف المغربي المفاجئ بالتضامن مع قطر وإرسال طائرات محملة بالمواد الغذائية للدوحة ، وعدم مواكبة السعودية والإمارات حلفائه التاريخيين في هذا الصراع المصيري ، رسالة احتجاج شديدة للهجة تظهر خيبة أمل مغربية من الوعود المالية الخليجية التي لم يتحقق منها إلا القليل ، زيادة على تماطل هذه الدول في ضم المغرب لمجلس التعاون الخليجي كما وعد من قبل رغم كل الخدمات الجليلة التي قدمها المغرب لهذه الدول وخاصة مشاركته في حرب اليمن ، والانخراط في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب بقيادة السعودية زيادة على توتير علاقاته مع إيران في إطار النزاع الدائر في الشرق الأوسط . هذا الاحتجاج المغربي لم يمر مرور الكرام على أبو ظبي والرياض ، فهاهي إحدى القنوات الرسمية الإماراتية تنشر خريطة المغرب لأول مرة دون الصحراء الغربية كبادرة انزعاج من الموقف المغربي المتضامن مع قطر ، وهو ما يظهر أن شهر العسل قد إنتهى بين الجانبين وكل الأحلام المغربية بالانضمام إلى النادي الخليجي قد تبخرت ليبقى أمامه فقط الموقع الطبيعي في اتحاد المغرب العربي الذي يحتاج إلى تفعيل عاجل . للجزائر أيضا مسؤولية كبرى في ترتيب الأوضاع مع الجار الغربي وإغلاق المجال أمام المصطادين في المياه العكرة من دول الشرق والغرب التي تعمل دائما على خلق عداوة وهمية بين الأشقاء كما نشاهد اليوم في مختلف المسارح الإقليمية ، لا ندري ما هي الخطوة المطلوبة من الجزائر والرباط للدخول في مسار تطبيعي بنية حسنة لكن الأكيد أنها تتطلب تنازلات متبادلة وشجاعة من قيادة البلدان ، خاصة أمام مسرحية الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون الذي لم يشد عن القاعدة السياسية الفرنسية في تأجيج الصراع المغربي الجزائر لتبقى باريس صاحبة اليد العليا ولتبتز البلدان كلما أرادت ذلك ، وإلا كيف نفهم أن يتعاقب رؤساء فرنسا في إرسال الرسائل المتناقضة ، فكانت أول زيارة للرئيس الفرنسي السابق هولاند للجزائر ثم المغرب ، والآن ماكرون يقوم بالعكس ، وكأننا سذج سنصدق هذه المناورات التي تريد إقناعنا تارة أنا فرنسا بجانبنا، وتارة أخرى أنها بجانب المغرب ليبقى الصراع على أشده ! تونس أيضا لها مسؤولية كبرى في تقريب وجهات النظر بين أشقاءها ، وقد تكون أول مبادرة تنسيق الجهود لحل الأزمة الليبية، التي أصبحت تتقاذفها دول الخليج البعيدة بألاف الكيلومترات ، فيما الأولى حلها ضمن البيت المغاربي ، التي تعتبر الشعب الليبي جزء لا يتجزأ من نسيجها الاجتماعي ، و ستكون حريصة على مستقبله واستقراره دون حسابات مصلحية ضيقة ، والدليل عدم تورط الدول المغاربية في تسليح الأطراف الليبية وتأجيج الصراع بين الإخوة كما تفعل الدول العربية والإقليمية الأخرى أكبر دليل أن الحل المغاربي سيكون الأحسن للمعضلة الليبية وربما سيؤسس لإطلاق سراح هذا المشروع لتبدأ مسيرة التنمية والإزدهار.
للتواصل مع الكاتب من خلال صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": https://www.facebook.com/anes87 تويتر: https://twitter.com/anesdjema أو من خلال البريد الإلكتروني: [email protected]