كثير من الفنانين المبدعين انسحبوا لأنهم يحترمون أنفسهم يكشف الروائي لحبيب السايح في هذا الحوار، عن الجانب الآخر لشخصيته الأدبية خلال رمضان، وكيف يقضي يومه في التأمل والصمت لما يقتضيه الشهر الفضيل، معتبرا أن برامج التلفزيون الجزائري إهانة للجزائريين الذين يدفعون لتستمر هذه المؤسسة·· كيف يقضي لحبيب السايح كاتبا، شهر رمضان؟ أفتح مواقع كثير من الجرائد الوطنية الصادرة بالعربية والفرنسية على الانترنت ابتداء من التاسعة صباحا، وأتصفح عناوينها، وقد أقرأ كثيرا من المواضيع؛ الثقافية منها خاصة ذات الصلة بالأدب والاقتصاد· وبعدها أفتح صفحتي على ”الفايسبوك”، فأقرأ رسائل الأصدقاء وتعاليقهم وأرد عليها كما أفعل ذلك معك الآن· وأطالع الرسائل التي تردني·· كما أدخل بعض المواقع لأرى جديدها ذا الصلة بالثقافة والفكر والأدب· يبدو يومك الرمضاني حافلا·· إنه شهر رمضان الوحيد الذي لا أكتب فيه نصا جديدا، فأنت تعرف أني في حال استرخاء من رواية ”زهوة”·· وعند منتصف النهار أو بعده بقليل أقرأ·· أنا أعيد قراءة ”مدام بوفاري” في نسختها الأصلية، وبعد الزوال أقيل؛ فإن القيلولة عندي طقس ورثته من أدرار، فثمة حفظت الحديث ”قيلوا فإن الشياطين لا تقيل”·· ولو قدر لك أن تتواجد في منطقة أدرار في عز الصيف، لعرفت معنى أن تقيل·· ولربما رأيت الشيطان بعينك يرقص· طيب·· ماذا تفعل بعد القيلولة التي يرقص لها الشيطان؟ في حدود الساعة الرابعة، أستمع لإذاعة تبث كثيرا من الموسيقى العربية والعالمية إلى السادسة، وأعاود القراءة بعدها، ثم الارتباط ب”الفايسبوك” بشكل سريع إن لم يتم القبض علي، كما فعلت أنت معي الآن·· أفطر مع العائلة·· إنها أجمل اللحظات التي تشعرني بقدسية رمضان وبسريان المحبة التي تربطني إلى أهلي وتربطهم إلي، لذلك فأنا لا ألبي دعوات إلى الإفطار خارج بيتي·· جو العائلة على المائدة سحري لا يعوضه مكان آخر ولو كان مائدة السلاطين· لا آكل كثيرا·· أنام قبل منتصف الليل وأنهض للسحور، وبين الإفطار وساعة النوم أتخير فيلما أو شريطا أو مقابلة رياضية من مستوى عال· هل تشارك في نشاطات ثقافية أو أمسيات وما شابه ذلك؟ أنا لا أخرج ولا أشارك في أي نشاط·· ولم يسبق لي خلال ”الرمضانات” السابقة أن شاركت في أي نشاط أو سافرت من أجل ذلك·· فالشهر الفضيل بالنسبة إلي مناسبة للصمت والتأمل· ألا ترى معي أنه لا وجود لفضاءات ثقافية يلتقي فيها الكتاب الجزائريون خلال رمضان؟ آه يا إلهي·· وهل وجدت خارج رمضان·· أنت تدرك أن ذلك يشكل – لو كان – هاجس قلق لمن يخافون من كل ما هو ثقافي وفكري حر ومغاير ومسائل·· لذلك فلن تسعى جهات رسمية أو شبهها إلى إيجاد مثل تلك الفضاءات·· أنت تعرف أن الريع عطل فينا كل إرادة بالتفكير· طيب·· هل تتابع برامج الشبكة الرمضانية للتلفزيون الجزائري؟ بيني وبين برامج ”اليتيمة” قطيعة عشرين سنة، فما يبث يثير الغثيان ومعذرة على العبارة·· لا أشاهد أي شيء مما يسمى شبكة ”شبكة مثقوبة” وإني لا أتحمل درجة الاستخفاف بالمشاهد·· أحس أنهم لا يضحكون على المشاهد فحسب، ولكنهم يهينونه في ذكائه وروحه بماله العمومي·· شيء مخز ومخجل ما يتم تقديمه على أنه إنتاج وطني؛ تسيطر عليه شرذمة من ”الفنانين” الفاشلين الذين يثيرون القيء؛ بتواطؤ مع ”مافيا” القطاع العام السمعي البصري· إني أقرأ ما تكتبه الصحافة الوطنية عن مهازل ”المسلسلات الرمضانية”، وأنت ترى أن الفنانين الذين يحترمون أنفسهم انسحبوا تماما·· خذ لك ”سكيتش” واحدا من ”سكيتشات” بوبفرة أو المفتش الطاهر أو يحي بن مبروك أو قاسي تيزي وزو أو ”السكيتشات” التي أنتجت قبيل الاستقلال، فإنك تجد نفسك في جبة الجزائري·· ”الله لا تربحهم·· بهدلونا”·