يقدم الإسلام أصدق وصفة·· وأكثرها فاعلية·· لتحرير الإنسان من الوهم·· ومن إحناء الظهر للفراعنة·· ومن التبعية للأحبار الجدد·· ولا يفعل ذلك إلا الإسلام· أشعر أنا المسلم ألا وصاية لأحد علي·· ولا امتياز – بداعي الوراثة أو بحكم التاريخ – ينتفخ به فارغ·· أو يتقدم به متأخر·· أو يكبر به صغير·· أحباء الله هم من سلكوا في طريق شريعته·· ولم يقفوا على باب الآخرة·· يوزعون تذاكر الدخول إلى الجنة وفق أهوائهم·· أو يقفزون بمخالفيهم إلى الجحيم·· ممن يذكرونهم بقول الله تعالى مخاطبا أعظم إنسان مشى على الأرض·· {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ – 127- لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ – 128} -
آل عمران·
في النهاية·· نحن جميعا بشر·· نرتد إلى أب واحد وأم واحدة·· ونشترك في التكريم الإلهي لنا بمقدار ما نبرز من هذا التكريم في حياتنا·· ونستوي في الوقوف أمامه للحساب يوم القيامة·· {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ -} – 18 المائدة·
غير أن الأضرار والخسائر التي تلحق الإسلام من بعض أتباعه·· أوممن يفترضون أنهم كذلك·· تكاثفت واتسعت مساحتها في السنين الأخيرة·· وأضحت تلتهم الكثير من مكاسبه·· فشريعة الأمن والسلام تنسف ناطحات السحاب·· ودين النظر في الآفاق ينقلب إلى تمائم ومعارك تخاض ضد الجن والعفاريت·· والتخلف يلازم أتباعه الذين يأكلون ويلبسون مما ينتجه
(الكفار والمشركون )·· ويخوضون حروبهم الداخلية بأسلحة يشترونها من (أعداء الله )·· ويخضعون في سياساتهم وقراراتهم بما يملى عليهم من هيئات ومنظمات دولية يديرها (الصهاينة وأعوانهم)·· ثم يقولون – بعد أن يتمددوا في فرشهم الوثيرة وقصورهم المنيفة – نحن الفرقة الناجية·· وأهل السنة والجماعة·· أو نحن شيعة آل البيت وأتباع الحسين·· وأوصياء النبي الكريم·· وينتهي بهم الأمر جميعا·· أن يسقطوا من ثقوب التاريخ·· ليقفوا أمام الله فارغي الأيدي والقلوب·· إلا من رحم الله·
ٌٌٌ
إيران والسعودية تحديدا·· كلتاهما لطخة سياسية·· بادية للعيان في ثوب الإسلام الأبيض·· لا يحجبها طلاء التهريج ولا تعبيرات التقية والتخفي·
إيران·· هذه الجمهورية الإسلامية التي ضخت وعودا ضخمة للمستضعفين من المسلمين في بداية الثمانينات·· انتهت حضنا دافئا لفكر شيعي متزمت·· محدود الأفق·· خرافي الطرح أحيانا·· اختزل الإسلام في مذهب يستخلص عقيدته من التاريخ·· ويصطنع تعريفا للمسلم الحقيقي·· الذي يدخل الجنة·· بولائه لعلي – كرم الله وجهه – وليس بانتمائه للإسلام كما هو·
إيران الحالية·· كفت عن أن تكون شيئا في ميزان الأمل الإسلامي ·· بمجرد أن انكمشت في مذهب·· لتقف في صف أقذر نظام عربي يبيد شعبه·· وتعينه على بوائقه·· وتبرر جرائمه·
يا فقهاء قم·· إن الله واحد·· وإن الدين واحد·· وإن الرسول صلى الله عليه وسلم واحد·· وإن اختلف تاريخ المسلمين وتباينت آراؤهم·· أما ما تفعلونه باسم الحسين فليس من الإسلام في شيء·· ولا تخفي التقية ولا بعض العبارات التجميلية حقيقة أن تروا أنفسكم·· أتباع النبي الاستثنائيين·· وأحباء لله دون سائر المسلمين·
ٌٌٌ
كثير مما تأتيه السعودية يخالف الدين·· وليس من تفسير لمواقف المملكة التي تحسب نفسها وصية على الأماكن المقدسة·· ومعنية بصيانة شعائر الإسلام·· ولها (مسؤوليات تاريخية نحو أشقائها – بتعبير الملك عبد الله نفسه)·· إلا أن يكون الإسلام في ضفة·· والمملكة في الضفة الأخرى·
ترى السعودية هلال شوال – الذي تستحيل رؤيته أصلا -·· من منطلق تفسير ساذج لحديث نبوي شريف···· فيرى المحلقون في فلكها برؤيتها···· مع أن أن الإسلام لا تنيره أبصار تعجز عن التمييز بين زحل والقمر·· حتى ولو تعلق الأمر (برائين يمتلكون قدرة بصرية خارجة عن النطاق العادي، تدعو متخصصي أعصاب العين لبحث علمي جديد في فيزياء العين! ) – بتعبير رئيس قسم الفلك في جامعة الملك عبد العزيز·· ولا تخدمه عقول جمدت منذ سنين·· وتصر على أن (·· دخول شوال كان صحيحاً، والشائعات باطلة ومردودة ومخالفة للشرع)·
إن دولة الإسلام لا تطغى بذاتها·· لتكون سوطا يلهب ظهور المعارضة·· ولا تركن إلى الطغاة الأجانب ولو كانوا بقوة أمريكا·· ولا توفر موئلا للطغاة الفارين من العقاب الشعبي أمثال فابن علي وصالح ··ئف ولا تنزل إلى حد تحريم مظاهرة·· مسعاها استرداد حق مسلوب!!
عندما سحبت السعودية سفيرها من دمشق·· بدعوى مطالبة النظام السوري (بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان)·· جسد هذا الموقف – ولو نظريا – تطورا نوعيا في وعي النظام السعودي·· وتعبيرا حقيقيا عن روح الإسلام الحية·· الذي توجب نصرة المظلوم وردع الظالم··
غير أن الانتكاسة وقعت فعلا·· عندما حجزت الشرطة السعودية مئات السوريين ممن تظاهروا في الرياض أملا في تطوير هذا الوعي إلى حالة دعم حقيقية لثورة الشعب السوري·· لقد أعادنا هذا الموقف السلبي إلى نقطة الصفر الأولى·
يتناغم هذا التناقض·· مع فهم المؤسسة الدينية الرسمية لطبيعة ثورات الشعوب·· التي تراها بمثابة
(·· فوضى وعصيان·· ومن يباركها دعاة ضلال وفتنة ومغفلين·· لا يدركون العواقب ولا ينظرون في الأدلة- الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان – بتصرف بسيط)·
موقف السعودية من الطاغية القذافي لم يكن مبدئيا·· ولم يصدر عن قناعة دينية راسخة·· ولم يكن أكثر من تصفية حساب شخصي بين العقيد والملك·· والتآمر على انتفاضة الشعب اليمني·· بدعم نظام صالح المتخلف والقمعي·· تأكيد واضح للتوجه الذي يخذل الإسلام·· لفائدة عائلة تحكم·· ولا يهمها في الواقع·· كيف وبم تحكم؟!!
إن الإسلام أكبر من الأشخاص والجماعات·· وأوسع من أحجامهم·· حيث لا تتسنى الإحاطة باستحقاقاته من قبل فرد بعينه·· أو دولة بذاتها·· سواء أكانت السعودية أو إيران أو غيرهما·
الوصاية على الإسلام كالوصاية على الشعوب·· إهدار لحلم الناس في العبور إلى دولة الحرية والعدل دون ممنوعات يضعها متسلطون يمنحون أنفسهم حق الوصاية على دين الله·· وصاية يمكن أن تكون أي شيء·· إلا أن تكون صورة الإسلام الرائقة·