ادعى تعرضه للقهر والتهميش وهدد محاميه وأحد موظفي الشرطة بالقتل يبدو أن ما عاناه الجزائريون من ويلات الإرهاب لمدة عشرية من الزمن أضحى يؤثر على عقول البعض منهم، إذ كثيرا ما نسمع عن أشخاص يهددون بالصعود إلى الجبل انتقاما من الوضعية الاجتماعية المزرية التي يعيشونها وآخرون يتمنون لو كانوا من الإرهابيين لعدم حصولهم على فرصة داخل المجتمع لكن أن يحاول شخص ما تحويل طائرة عن مسارها مهددا بتفجيرها باسم تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، فيعد ذلك مشهد مقتطف من أفلام ''الأكشن الهوليودية'' اقتبسه المواطن عبد الحق محاولا تجسيده على أرض الواقع وبالضبط بمسرح مطار هواري بومدين الدولي على متن طائرة تحمل رقم رحلة 8416.. ما هي خلفية اقترافه مثل هذا الجرم؟ ومن هذه الشخصية التي ادعت الانتماء لتنظيم إرهابي؟ بداية القصة.. في ليلة 11 إلى مارس 21 من العام الماضي، كانت نوال مضيفة الطائرة تشرف على عملها المعتاد في الرحلة رقم 8416 المتوجهة من الجزائر العاصمة إلى بشار ومنها إلى تندوف، تفاجأت نوال بعد إقلاع الطائرة من مطار بشار باتجاه تندوف بمسافر يناديها من الخلف، كان ذلك الشخص يدعى عبد الحق البالغ من العمر 48 سنة، قال عبد الحق لنوال وهو يسلم لها ظرفا مغلقا متوسط الحجم مكتوب عليه بالفرنسية ''تني ريف''، ''خذي هذه الرسالة وسلميها لقائد الطائرة''، أخذت نوال الرسالة وهي مستغربة ومتسائلة عن علاقة هذا الشخص بقائد الطائرة ونظرا لانشغالها بخدمة المسافرين لم تسلم الرسالة لقائد الطائرة وفضلت تسليمها إلى رئيس المضيفين لكي يسلمها بدوره لقائد الطائرة، خلالها اعتقد رئيس المضيفين أنها رسالة خاصة له، فأخذها إلى قائد الطائرة الذي لم يكترث لها لانهماكه بقيادة الطائرة، لكن رئيس المضيفين راودته شكوك، حيث تعتبر المرة الأولى الذي يستلم فيها رسالة من مسافر إلى قائد الطائرة، وقد أصيب بالذهول عندما اطلع عليها ووجدها تحمل تهديدا باسم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وكلمات باللغة الفرنسية تأمر بتحويل الطائرة إلى جزيرة تني ريف. عاد رئيس المضيفين للمضيفة نوال وسألها عن صاحب الرسالة فدلته على عبد الحق واتجه إليه وكان جالسا في مؤخرة الطائرة وسأله ''ماذا تريد وما هي مطالبك'' رد عليه عبد الحق وقال له بلهجة التهديد ''حول الطائرة إلى جزيرة تني ريف بإسبانيا وإلا سأفجر الطائرة بكل طاقمها إن رفضتهم مطلبي''، وفتح معطفه وأراه صدرية بها أحزمة غليظة تتضمن عدة خيوط كهربائية وبها مادة سوداء يجهل نوعها تم أخبر الجميع أن أفراد من عائلته رهائن لدى جماعة إرهابية. من تندوف إلى جزر الكناري عم الخوف والرعب الطائرة بعد انتشار الخبر كسرعة البرق في أوساط المسافرين، في تلك الأثناء أخبر رئيس المضيفين قائد الطائرة بأن هناك ''إرهابيا يهدد بتفجير الطائرة إذا رفضنا تحويل مسارها باتجاه إسبانيا''، لكن قائد الطائرة رفض الرضوخ لمطلب الإرهابي وتهديداته وأصر على هبوط الطائرة بمطار تندوف. حاولت نوال التي كانت تهدئ من روع بعض المسافرين كسب ثقة عبد الحق عن طريق إقناعه أن الوقود غير كاف لتحويل الطائرة إلى إسبانيا لكنها تفاجأت لكون عبد الحق على دراية تامة بتزويد الطائرة بالوقود في مطار بشار وأن المسافة التي تبعد مطار تندوف عن تني ريف هي 200 نوتيك لا أكثر.. نظرت نوال في وجه المهدد وهي مستغربة لتحكمه في أمور الطيران بعد أن لاحظت استعماله لمصطلحات تقنية خاصة بالطيران لا يستعملها سوى طيار أو من يمتهن نفس المهنة وما زاد ذهولها أن عبد الحق لم يخطئ حتى في المسافة التي ذكرها، حينها أيقنت أن الطائرة فعلا مهددة من قبل جماعة إرهابية، واصلت نوال محاولاتها إقناع عبد الحق بصعوبة تحقيق مطلبه لكنه راح يخبرها بأنه اختار تاريخ 11 من مارس نسبة إلى 11 من سبتمبر المشهور الذي ضرب فيه تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن برج التجارة العالمي بأمريكا وقال لها بصوت منخفض ''لقد اختطف تنظيم القاعدة والداي وأخواتي عندما كانوا بغابة شريعة الواقعة بولاية البليدة وحاليا هم يحتجزونهم كرهائن''، لم يبدو عبد الحق بالنسبة لنوال شخصا سويا وتعجبت لإخبارها بهذه التفاصيل وزادت دهشتها عندما قال لها ''إن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي طلب منه تفجير الطائرة وإلا فإنهم سيقتلون أفراد عائلته''، سارع رئيس المضيفين إلى قائد الطائرة وأخبره بجدية تهديد المدعو عبد الحق بعد أن هدأ من روع هذا الأخير الذي كان شديد الغضب والنرفزة وأخبره بأن كل طلباته سوف تنفذ. وقال رئيس المضيفين لقائد الطائرة إن الإرهابي مستعد لتفجير الطائرة في حال لم يحول مسارها باتجاه جزيرة تني ريف وأخبره أن المسافرين يتواجدون في وضعية كارثية. فيما طلب منه قائد الطائرة إخطار السلطات المحلية لولاية تندوف ودخل في مفاوضات مع المدعو عبد الحق قرابة 52 دقيقة تمكن خلالها قائد الطائرة من إقناعه أن الوقود لا يكفي لاستكمال الرحلة إلى جزيرة تني ريف وبعد محاولات عدة أقنع قائد الطائرة المدعو عبد الحق بالإقلاع فور شحن الطائرة إلى تيني ريف بإسبانيا. وصلت الطائرة القادمة من الجزائر مطار تندوف في حدود الساعة الثانية و51 دقيقة صباحا، خلالها لم يتردد المهدد عن إطلاق سراح الرهائن، حيث نزل المسافرون من الطائرة بعد أن أحاطت مصالح الأمن بها وبقي لوحده بداخلها بعد أن غادرها طاقمها ومضيفيها وتمكنت مصالح أمن ولاية تندوف من السيطرة على الوضع، إثر تسللها داخل الطائرة وألقت القبض على عبد الحق. ''بلاوي'' بالجملة ومعجون التمر يتحول لحزام ناسف لم يكن عبد الحق إرهابيا، بل كان مزورا ومنتحل صفة من الدرجة الأولى -حسب تحقيقات مصالح الأمن- ولم يكن الحزام الناسف الذي حمله لإيهام طاقم الطائرة بكونه انتحاري سوى عبارة عن صفائح معجون التمر ''الغرس'' موصولة بخيوط كهربائية وحقيبة ظهر تحتوي على مسدسين بلاستيكيين أسودي اللون وشريط لاصق أسود اللون وقارورة كحول ذات استعمال طبي. خطط عبد الحق لاختطاف الطائرة في شهر فيفري من العام الماضي باحثا عن وسيلة تمكنه من إحداث صدى إعلامي، حيث اقتنى تذكرة من مصلحة الخطوط الجوية الجزائريةبشارع زيغوت يوسف ذهابا وإيابا إلى مدينة تندوف وقد اختار هذه الوجهة لقربها من جزر الكناري تم اشترى بعد ذلك صدرية من نوع جيلي من سوق بومعطي ووضع فيها معجون التمر حتى يظهر أنها مادة متفجرة واقتنى خيوط كهربائية وشريط لاصق وحقيبة ظهر ورتب كل شيء بمنزله في الحراش ليظهر كحزام ناسف وحتى يعطي لما خطط له صبغة إرهابية اختار تاريخ 11 من مارس لكي يتزامن مع تفجيرات 11 سبتمبر 2001 كي يغالط طاقم الطائرة ويلفت نظر الرأي العام، بعدها توجه إلى مقهى انترنت وقام باستنساخ مطبوعة باللغة العربية مكتوب في أعلى الورقة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وكتب على ظهرها بواسطة قلم جاف آيات قرآنية وكتب باللغة الفرنسية التهديد بتفجير الطائرة في حال رفض طلبه بتحويلها نحو إسبانيا وفي يوم 11 مارس وفي حدود الساعة الحادية عشر ليلا بدأ بتنفيذ خطته، حيث مر بصفة عادية على أجهزة سكانير ومراكز مراقبة الشرطة ثم صعد إلى الطائرة، حيث توجه إلى المرحاض وارتدى الصدرية المزيفة بمعداتها وأوصل معجون التمر بأسلاك كهربائية لكي تبدو وكأنها عبوة ناسفة. وقال عبد الحق إن الدافع لتصرفاته هو لفت انتباه السلطات العليا بعد تعرضه للتعسف القضائي والإداري وأن لا علاقة له بتنظيم الجماعة الإرهابية المسماة القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، لكن التحقيقات كشفت أن الرجل طرد من ألمانيا بتهمة التزوير واستعمال المزور كما طرد من روما بإيطاليا سنة 1978 بتهمة سرقة شيكات والنصب والاحتيال والتزوير ومخالفة التشريع الخاص بالأجانب. كما طرد من النرويج سنة 1983 لانتحاله شخصية ابن خالته. وأظهرت التحقيقات أن عبد الحق تعرض لعملية اختطاف سنة 1994ويعد من المفقودين وأن مختطف الطائرة ما هو سوى ابن عمه انتحل هويته واستعملها بدول أوروبية لتفادي القبض عليه كما انتحل هوية فرنسي لشراء أوراق نقدية وصكوك بنكية بالخارج وانتحل شخصية نرويجية تدعى'' اولاف أليندر''. ولم يكتف عبد الحق الذي لم تحدد بعد هويته الحقيقية بذلك، بل وجه ثلاث رسائل تهديد باسم جماعات إرهابية إلى محاميه، بسبب عدم تمكنه من كسب قضية إدارية لصالحه. كما هدد أحد موظفي الشرطة بالقتل وأرسل تهديدا لمستأجري منزله وبعث رسائل تهديد بالقتل لوزير الدولة وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني ورسالة أخرى لمدير الأمن الوطني علي تونسي.