المحاكم الجزائرية خصصت فروعا خاصة لها في شؤون عراك الجيران... وهي عنوان على كون الجار أصبح عدوا للجار، وبينهما قد تشتعل النار، وقد يبدأها الصغار ويلحق بهم كل من طار عقله وكان في مثل خفة الفار الذي يصبح من نصيب القط، وهذا الأخير سيصبح من بعد ذلك من نصيب الجنس الأصفر! الجيرة مقدسة في الإسلام لدرجة أن رسولنا الكريم قال: ''إن جبريل عليه السلام من كثرة ما كان يوصيني بالجار ظننت أنه سيورثه''. وما بين القول والفعل فرق شاسع بعد أن تحول معظم هؤلاء إلى ما يشبهون الأعداء، ولا أقول الغرباء. قرأت أيام مصر حين كان تعدادها 36 مليونا (اليوم فوق 80 مليونا) أن المحاكم هناك سجلت أكثر من 60 ألف قضية، وهذا معناه أن كل مصري ''يتخانق'' مع آخر، فإن لم يجد يتخانق مع نفسه ويقدم قضية للعدالة! وفي الجزائر لا توجد أرقام دقيقة، ولكن استمرار عمل محاكم الجيران سيمكن لا محالة من حجم هذه المشكلة الحيوانية! وفي كل الأحوال لن نبتعد كثيرا عن النموذج المصري، حتى وإن كان المواطن عندنا يفضل أخذ حقه بيده وليس بيد القاضي! وعندما تؤكد مختلف القضايا المطروحة من هذا النوع أن أحد الأسباب الأساسية لعراك الجيران هو فوضى العمران وسوء الفهم في كيفية استغلال ما يسمى بالأجزاء المشتركة (في العمارات). فإن المتهم الرئيسي يصبح اسمه السلطات المحلية من بلدية ودائرة ومربع (أي ولاية)، فلو أن هذه الجهات قامت بواجبها القانوني لهبط عدد العراك إلى النصف على الأقل.. ولذهب القاضي للتنقيب فيما هو أهم عند عصابات علي بابا مثلا بدل أن يصبح مثل الشرطي الذي يهش بعصاه في الشوارع كبديل لأخطاء البيروقراط والساسة!