تعيش مدينة ”سرت” الليبية هذه الأيام، على وقع معارك تستهدف في كثير من الأحيان قوات المجلس الانتقالي، وذلك كرد فعل على تهميشها· وتطرقت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها إلى حال المدينة بعد سقوط نظام العقيد، وقالت إن الغضب على أشده في ”الحي رقم ,”2 إذ دارت هنا معارك عنيفة· وكانت مظاهرات جرت في المدينة ولم يلحظها أحد في الخارج، انتقدت ”تهميشها”· ورفع المحتجون العديد من الشعارات من بينها ”الوحدة الوطنية لا تتم من دون تعويض عن الخسائر، من دون أي استثناء”، و”لا لتهميش سرت” و”أين إعادة الأعمار؟”· وبعدما كانت واحدة من المدن المدللة في عهد معمر القذافي، تكتم سرت التي دمرتها الحرب، غضبها على ”ليبيا الجديدة” التي أصبحت منسية في عهدها· ففي هذه المدينة التي تبعد 360 كلم شرق طرابلس، اعتقل العقيد الليبي قبل شهرين، إذ لجأ إليها بعد سقوط طرابلس بأيدي الثوار في نهاية أوت الماضي، لعلمه بأنه يتمتع بشعبية في المنطقة التي ولد فيها، وهذا ما يفسر المقاومة الشرسة التي أبدتها المدينة· ودفعت سرت ثمن دعمها هذا غاليا؛ فقد تحولت شوارع بأكملها إلى صفوف من المباني التي مزقتها القذائف ومحكوم عليها بالهدم· وفي الشوارع تتكدس أكوام القمامة في مدينة كانت تلقى عناية كبيرة في الماضي واختارها نظام القذافي لاستقبال اجتماعات دولية· وقال الجامعي إبراهيم هرير في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية ”لم يأت أحد لرؤيتنا·· وقعت جرائم حرب هنا، لكن بما أنها منطقة القذافي، لم يكترث أحد” بها· وفر إبراهيم عبد الله من سرت في ال 18 أكتوبر الماضي ولم يعد إلا قبل أيام، ويتهم الثوار بأنهم نهبوا شقته ثم أحرقوها· ويقول هنا ”ضاع كل شيء، المفروشات وذهبُ زوجتي وما اقتصدته من أموال·· أعتقد أنني سأرحل من جديد، لكن لا أعرف إلى أين·· أرض الله واسعة”· وكغيره من السكان، يرى الرجل أن سرت ”ما زالت تعاقَب” على ولائها للقذافي· وفي السياق ذاته، يؤكد عضو المجلس المحلي المكلف بحصر الأضرار أحمد كرباج، أن ”الوضع صعب جدا”، مضيفا أن ما بين أربعين وستين في المائة من السكان فروا من المعارك ولم يعودوا بسبب الدمار· وأوضح أن ”بعض المنازل محرومة من مياه الشرب، ولم تتم إعادة التيار الكهربائي إلا بفضل جهود فردية، ومازالت هناك ذخائر لم تنفجر في الأنقاض·· الحكومة لم تقم بأي عمل”· وتؤكد السلطات الجديدة أن المصالحة الوطنية بعد الحرب الأهلية هي واحدة من أولوياتها، لكن المهمة تبدو صعبة في سرت· وقال أحد سكان المدينة ”لا نريد مصالحتهم·· إنهم كاذبون·· لقد دمرونا وقتلونا، الله لا يسامحهم”· وتساءل آخر يدعى مسعود عبد الحميد ”أي مصالحة إذا كانوا لا يقبلون بآراء الآخرين؟ هذه هي الديمقراطية؟”· وما زال كثيرون في سرت أوفياء لذكرى القذافي، وما زال الشعار القديم لمؤيديه ”الله ومعمر وليبيا وبس!” يتمتع بشعبية في المدينة· وقال تهامي حافظ، وهو موظف، إن ”الشرط الأول للمصالحة هو أن يقولوا لنا أين قبر القائد·· من حقنا أن نعرف”، ووافق حوالي عشرة رجال تجمعوا حوله على ذلك· وهذه المطالب تثير غضب سكان ليبيين في مدن أخرى· وقال أحد سكان طرابلس إنهم ”يستحقون ما حصل لهم، وسيتعلمون منه درسا·· ليذوقوا قليلا ما عانت منه ليبيا”·
من ناحية أخرى، منع رئيس المجلس الأعلى للإفتاء في ليبيا الشيخ الصادق الغرياني إقامة مائدة طعام بطول 11 كيلومترا كان من المفترض إقامتها في مدينة طرابلس تزامنا مع الذكرى الستين لاستقلال ليبيا في الرابع والعشرين من ديسمبر ·1951 وكان تجمع ثوار طرابلس واتحاد شباب ليبيا يعتزم إقامة هذه المائدة التي أطلق عليها اسم ”مائدة لم شمل الليبيين”، وهي مائدة طويلة خُطّط لها لأن تمتد من ميناء المدينة القديمة بوسط طرابلس جوار السرايا الحمراء في ساحة الشهداء، إلى جزيرة مطار معيتيقة بالقرب من مدينة تاجوراء· وقالت وكالة الأنباء الصينية ”شينيخوا” إن الغرياني أفتى بعدم جواز إقامة مثل هذه المائدة إسلاميا لكونها تتسم حسب قوله ”بالتبذير المنهي عنه شرعيا”، ما أصاب منظمي هذه المائدة بخيبة أمل لمخاطبتهم مؤسسة ”غينيس” للأرقام القياسية العالمية لتسجيل هذه المائدة بموسوعتها·