لو اجتمع الإسلاميون قبل عشرين عاما·· ونزلوا على أرضية مشتركة·· وآووا إلى عنوان واحد·· وتخلصوا من جاذبياتهم الخاصة·· ربما كان للجزائر تاريخ آخر·· وكان لربيعها الشعبي شأن مختلف·· غير ما ألم بها من مآس·· وما أصابها من خسائر·· ولأمكن الحركة الإسلامية بكل أطيافها أن تتحرك خطوات إلى الأمام·· بدل أن ترتد مسافات إلى الخلف· للأسف·· تسلل فيروس التشتت إلى جسم الحركة الإسلامية·· وغزا مناعتها الذاتية·· حتى قبل أن تتفتح أول زهرة في ربيعها·· فهدم بناءها·· وفتك بروحها·· وحولها إلى كائن عليل·· لا يكاد يبرأ من نكسة حتى تباغته أخرى· من البداية·· استقلوا مركبات مختلفة·· وتحركوا في اتجاهات شتى·· وقدموا بذلك خدمات مجانية للاستئصالين·· وكانوا هدفا سهلا لخصومهم·· ولم يفلح أن ادعوا أن هدفهم الكبير واحد·· وسيلتقون عنده في النهاية·· وهو خدمة الإسلام والجزائر· لو تداعوا في تلك الفترة الحرجة إلى كلمة سواء·· وتوفرت لهم رؤية مشتركة·· ووجهة واحدة·· ولو أخلصوا أمرهم لله·· ما انتهوا متشرذمين·· يرجم بعضهم بعضا·· ويقصف بعضهم بعضا·· ولما حلا لبعضهم العزف منفردا·· في غابة وحشية· هذا كان حالهم في السابق·· فهل اختلف حالهم الآن؟ بمعنى·· هل تنازلوا عن خلافاتهم الموروثة·· أم استصحبوها مرة أخرى·· وفشلوا في استيعاب الدرس القاسي؟
بصراحة·· لا أفهم كيف تتسنى خدمة الإسلام والجزائر بأناس عديمي الرؤية أصلا·· وبصف مضطرب·· وبدعايات حزبية ليست أكثر من صدى أفكار (زعماتية)·· ابتلينا بها من قبل ومن بعد· فأمام تحدي الوصول إلى السلطة الذي تطرحه الأوضاع الجديدة·· وإمكانية أن يكون هؤلاء الإسلاميون في الحكم·· بصورة أو أخرى·· ماذا بإمكان حزب يرفع اللافتة الإسلامية·· لكنه لم يولد بعد·· يلتقط مناضليه من الشارع·· ويروج لبرنامج وهمي·· وينفخ في الفراغ المطلق·· أن يقدم لوحدة الصف الإسلامي؟ إن من فشل في إدارة بلدية (تقبع في رأس جبل)·· كيف يوفق في حكم بلد غارق في غبار السنوات العجاف·· وتزحف عليه رمال الصحراء من كل جانب·· وتتراكم عليه نتائج كارثية·· أفضت إليها سياسات حكومية بالية·· صنعتها أحزاب حكمت الجزائر لمصلحة آخرين·· ولم تحكمها لفائدة الشعب الجزائري ولو مرة!! نحن نأمل ونحب أن يجتمع الإسلاميون هذه المرة·· ويجمعوا قواهم·· وينزلوا إلى الانتخابات التشريعية بصف متراص·· أو بأية صيغة تمنحهم قوة انتخابية حاسمة·· وتعيد الأمل إلى نفوس ملايين الناخبين الجزائريين الذين أعرضوا عن الصندوق·· ويكون للجزائر ربيع انتخابي حقيقي·· يخلصها من كابوس العودة إلى نقطة الصفر·
غير أن التجارب علمتنا أن نكون واقعيين أكثر·· وألا نحلم وسط الكوابيس·· وألا نطارد سرابا خادعا·· فقد تتوافق أغلب الفصائل الإسلامية·· وتتنازل عن أجزاء ضخمة من مساحاتها الذاتية·· في سبيل صياغة مساحة إسلامية مشتركة·· لكن أن يكون ”زعيم” جبهة العدالة والتنمية جزءا من هذا البناء المشترك·· فأمر مستبعد·· بل أخاله مستحيلا·· ومن الأجدر بمن ينادي بتحالف إسلامي انتخابي – وما بعد انتخابي -·· أن ينفض يديه وعقله من هذا الشخص تحديدا·· ومن تنظيمه جملة وتفصيلا·· فالعبرة ليست بحجم الغوغاء·· بل بمدى فاعلية الفئة المتراصة· فكيف يصلح سياسي ولا أقول إسلامي أن يكون حجرا مقاوما·· ولبنة أساس في بناء إسلامي مشترك·· وهو الذي يرأس في كل مرة حزبا·· لا ليصنع به التغيير·· بل ليعتبره مزرعته الخاصة·· ويفترض مناضليه مجرد أقنان يعملون بين يديه·· فإذا ما انتفضوا ضد الاستعلاء والديكتاتورية الحزبية وأشياء أخرى هو يعلمها·· أشعل النار في المزرعة·· ومضى باحثا عن حقل جديد·· وقطيع جديد من الأقنان!! إن هذا الحجر السياسي لا ينسجم مع غيره·· إنه نتوء لا أكثر·· فهل يعقل أن تضعه في أي موضع من مواضع البناء·· وهو الذي يرى نفسه ”البديل الحقيقي والقوي الذي ينتظره الشعب، وسوف يحتضن الشعب هذا البديل ويلتف حوله ويضع ثقته فيه···”·· ويحكم أن ”الجزائر تشهد فراغا سياسيا كبيرا، وجميع القوى السياسية الموجودة فقدت مصداقيتها لدى الشعب···”·· ويدعي أن السلطة تسلب منه العنوان في كل مرة·· وتسلمه لمن يرضى بالسير معها”·· بل ويمعن في تزييف الحقيقة حين يقول أن السلطة ”·· لا تأخذ في المحصلة النهائية إلا العنوان ومجموعة صغيرة من الأفراد، أما الجمهور الواسع من الإطارات والمناضلين فهم ثابتون مع قناعاتهم ومستمرون في النضال”!! إن من ينفي أصلا فكرة التحالف الانتخابي الإسلامي·· ويرى الغرض من الدعوة إليها هو (التشويش)·· يريد القول للناس: أنا أكبر من أي تحالف·· وأوسع من أي صف مشترك·· فاتركوني وشأني·· ألم يقل من سبقوه ”نحن سمكة·· وشعبنا هو بحرنا”·· فكانت النتيجة أن غاض البحر·· وماتت السمكة اختناقا·
دعوا السمكة الجديدة تسبح في البحر المحيط·· وقد تناست لفرط غرورها·· أن أسنان القرش أقوى من جلدها الناعم· الآن·· من يجمع الشتات المتفرق؟ بصراحة·· لم يقدم لنا بيان علماء الجزائر·· شيئا نطمئن إليه·· بل أغرقنا في دوامة تساؤلات مثيرة·· كنا نعتقد أن عهدها قد ولى·· فهؤلاء لا يزالون يأملون خيرا في السلطة··لذا دعوا ”·· أن تضع مؤسسات الدولة يدها في يد أهل العلم وأن تفتح لهم الأبواب لتمكينهم من أداء رسالتهم وترشيد الأمة··”·· ولا أدري ما القصد من ”حفاظ العالم الجزائري على استقلاليته، وأن يبقى بعيدا عن الصراعات السياسية والتنافسات الحزبية”·· وهم يعلمون أن الجهاد السياسي من أوكد الفروض في ديننا·· وأن مقاومة الطغيان والاستبداد في مقدمة ما يلتزم به العالم المسلم·· وإلا يكون الفرعون على حق حين يستضعف طائفة وينكل بأخرى!! الصف الإسلامي بحاجة لكل من يؤمن بإنقاذ الجزائر من بالوعة السلطة الحالية·· ومن الفشل القاتل لرموزها·· وبانتظار أن تجتمع كل اللبنات في مواضعها المحفوظة لها·· لا مانع أن يبدأ التحالف الآن·· بمن جاء يريد وضع يده فوق أيدي شركائه·· بغير حساب شخصي·· بل حبا في الإسلام والجزائر·