يعتقد رئيس البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، توماس ميرو، أن الذين يعلقون كل آمالهم على الازدهار الاقتصادي والسياسي من وراء ثورات الربيع العربي؛ يتعين عليهم تحجيم تطلعاتهم هذه والتمهل مع الحذر من الأسوأ. وقال رئيس البنك الذي انتشل دول شرق أوروبا من «المستنقع» في بداية التسعينات إن الدول التي غشاها ربيع العرب بحاجة إلى وقت طويل قبل تمتعها بنوع التحول الاقتصادي الواعد بانتعاش سوق العمل والازدهار المعيشي، مقللا من شأن التوقعات القائلة إن تلك الدول صارت تقف على عتبة التغيير الاقتصادي والسياسي فقط لأن رياح الثورة تهب عليها. ووصفها المتحدث بأنها «توقعات كبيرة إلى حد الاستحالة، ويتعين التعامل معها بالواقعية التي تضمن ألا تتحول الأوهام إلى التطرف وزعزعة الاستقرار من أسسه». وأسس البنك البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية في 1991 لمساعدة دول الاتحاد السوفياتي السابق وشرق أوروبا الناهضة من رماد الشيوعية وأنظمة الحكم المركزي على التحول نحو الديمقراطية واقتصاد السوق الحر، أي الرأسمالية. وقد طلبت إليه الجهات الحاكمة لشؤونه والحاملة لأسهمه «وهي رئيسا الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي»، أداء الدور نفسه في أربع من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي تونس ومصر والمغرب والأردن. وكان رئيس البنك يدلي برأيه في محاضرة قدمها في «لندن سكول أوف ايكونوميكس»، فشدد على أن التجارب والدروس المستقاة منذ تأسيس البنك في 1991 «تشير إلى أن الطريق إلى التغيير في دول العربية سيكون وعرا عسيرا ومحفوفا بالانتكاسات على الدوام». وقال توماس ميرو في محاضرته، التي سلطت الضوء عليها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية «تجربتنا في شرق أوروبا ودول الاتحاد السوفياتي السابق علمتنا أن الرحلة العربية نحو التغيير والازدهار ستكون طويلة وشاقة. ومن الأفضل كثيرا أن يكون هذا واضحا للمواطنين العرب وأن يعلموا أنه لا عصا سحرية ستقلب الحال بين عشية وضحاها.. التغيّر الاقتصادي الحقيقي على النحو الذي يحلمون به يحتاج إلى قدر كبير من الجهد والوقت والصبر لأنه عملية تتبدى آثارها عبر الأجيال وليس أقل من ذلك». في السياق ذاته، يمضي ميرو قائلا إن الظروف التي يشهدها العالم العربي في الوقت الحالي «أسوأ كثيرا بالمقارنة مع ما كان الحال عليه بعيد سقوط الشيوعية، والسبب في هذا هو أن الدول الأخرى التي كانت قادرة في ذلك الوقت على المساعدة صارت تعاني هي أيضا من الضيق الاقتصادي والمالي في الوقت الحالي.. بعبارة أخرى، فقد اختار العالم العربي الزمن الخطأ لإطلاق ثوراته». وأوضح هذا الاقتصادي قوله إن ثمة عوامل نفسية أخرى مهمة تؤدي دورها في الظروف الحالية.. فحقيقة أن العالم الغني يقف الآن مقيّدا بأغلال مشاكله من ركود وغيره وعاجزا بالتالي عن المساعدة «تجرد نموذج السوق الحرة من بريقه الزاهي وتجعله غير مستساغ بالمقارنة مع الأوضاع في مطالع التسعينات عندما كان هو البديل الأمثل ولم تكن للدول التي تتبناه نوع الأزمات التي تعصف بها الآن. وقد يقنع هذا الوضع العرب المتطلعين الى التغيير بأن نظام السوق الحرة فاشل هو أيضا.. هذا غير صحيح وعلينا مساعدتهم في تجاوز هذا الانطباع». من ناحية أخرى، يرى ميرو أنه بينما تبشّر الأمور خيرا بالنسبة لتونس لأنها، على الأقل، تسير في الاتجاه الصحيح، فلا يمكن قول الشيء نفسه عن مصر. وأهم عنصر يَرِد هنا هو أن الضباب يلف نوايا المؤسسة العسكرية المصرية وليس واضحا ما إن كانت، كما وعدت، ستتخلى عن هيمنتها الظاهرة والمخفيّة على الأمور في البلاد، على حد تعبيره.