واصلت الجماعة السلفية للدعوة والقتال خرجاتها الدعائية الشاذة والغريبة، متطاولة هذه المرة على ثورة أول نوفمبر، ومشكّكة في عدد شهدائها.وبث عدد من المواقع المقربة من الجماعة، تسجيلا للبوق الإرهابي المكنى ''أبو يحيى الليبي''، شبّه فيه العناصر الإرهابية بمجاهدي ثورة التحرير، في محاولة عبثية لإيجاد أوجه شبه، بين المجاهدين الذين طهّروا البلاد من الاستعمار، وبين زمرة من الدمويين الذين يريدون إعادة هذا الاستعمار من جديد، من خلال منحه الذرائع للتدخل بالمنطقة. وخدمتهم لأهدافه عن طريق أعمال تخريبية وإجرامية، تسعى إلى تقويض الدولة الوطنية، وخاضت ضد هذه الدولة حربا أثلجت صدر المستعمر، وانتقمت له من الجزائر التي أذاقته ذل الهزيمة. وأخطأ ''الليبي'' في مراهنته على خلق انطباع بأن إرهابيي الجماعة السلفية، يسيرون على نهج مجاهدي نوفمبر، لسبب بسيط هو أن العام والخاص يعلم، أن المجاهدين كانوا هدفا للجماعات الإرهابية، التي قتلت منهم العشرات، وجعلتهم في صدارة قوائم الموت التي تصدرها، دون سبب مقنع حتى بالنسبة للإرهابيين أنفسهم، مما يبين حقدها الدفين على هذه الفئة، التي جاهدت في سبيل الله، وأخرجت المستعمر، ليكون جزاءها الذبح والتنكيل على يد الخوارج الجدد. وأكثر من هذا، لو عدنا إلى مرجعيات التنظيم الإرهابي ودستوره، لوجدنا أنه يكفّر المجاهدين، ويضع جيش التحرير الوطني، والجيش الفرنسي في مرتبة واحدة، ''كلاهما قوّتان كافرتان كانتا تقتتلان''، مثلما يقول في أدبياته، التي تحتوي أيضا على نصوص تنعت المجاهدين بأقبح الصفات لعل أكثرها تهذيبا هو كلمة ''طواغيت''، ولا يمكن أن نتحدث عن هذا الموضوع، دون أن نشير إلى أن عددا لا يستهان به من القيادات الإرهابية، ينتمون إلى عائلات لم يكن ماضيها مشرّفا في زمن الثورة، وهذا ما يعلمه العام والخاص في المناطق التي ينحدر منها أولئك الإرهابيون. كما أن المجاهدين الذين حاربوا فرنسا بالأمس، يتواجدون اليوم في طليعة الوطنيين الذين يحاربون الجماعات الإرهابية، جنبا إلى جنب مع أفراد قوات الأمن والجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحير الوطني. ومهما حاولت الجماعة السلفية، محاولة دغدغة المشاعر بمحاولة الاندساس تحت غطاء تراث ثورة التحرير، فإنه لا مجال للمقارنة بين مجاهدي نوفمبر وبين المنتمين لهذه الفئة الضالة، لأن كفاح جيش التحرير، كان جهادا لا غبار عليه ولا شبهة حوله، لأن رجاله كانوا يقاتلون مستعمرا احتل أراضيهم، وحارب دينهم. أما الإرهابيون فلا علاقة لما يقومون به من أعمال إجرامية بالجهاد أو بالإسلام، وقد نزع عنهم الغطاء الشرعي، علماء الأمة من مشرقها إلى مغربها، وأثبتوا بالأدلة الشرعية زيغهم وخروجهم عن الدين. الجماعة تنضم إلى المشككين في عدد الشهداء وإن كان ظاهر كلام ''أبو يحيى الليبي'' ادعاء احترام المجاهدين وتبجيل ثورة نوفمبر، فإنه حمل بالمقابل إيحاء خبيثا، يرمي إلى التشكيك في عدد شهداء الجزائر، التي عرفت في كل بلاد العالم، بأنها بلد المليون ونصف المليون شهيد، غير أن لصاحب التسجيل رأيا آخر، فهو يقول إنها ''بلد المليون شهيد''، أي أنه أنقص نصف مليون من تعداد شهداء الجزائر، ليلتقي في هذا مع الحاقدين على الثورة، ممن ينكرون رقم المليون ونصف المليون شهيد، ويحاولون تقزيم تضحيات الشعب الجزائري، والحط من شأن كفاحه. ''أبو يحيى'' تحت ظل الصليب! أما الملاحظة اللافتة في التسجيل، فهي الخلفية التي ظهرت وراء ''أبو يحيى'' خلال حديثه، حيث كان يظهر بوضوح رسم للصليب، مما يثير العديد من الشكوك بشأن استخدام خلفية عليها رمز الديانة المسيحية في حين يتحدث صاحب التسجيل عن الإسلام والجهاد. والتفسير الوحيد لهذه المفارقة هو الجهل، وإلا لكان ''أبو يحيى'' قد أزال الصليب درءا للشبهات، وحرصا على عدم إثارة الالتباس.