تجري أحداث رواية «دماء ودموع» للدكتور عبد المالك مرتاض الصادرة عن «دار البصائر»، في قرية صغيرة مغربية على الحدود المغربية الجزائرية خلال ثورة نوفمبر وقبيل الاستقلال بشهور قليلة. وتصور الرواية معاناة اللاجئ الجزائري في حياة ممزوجة بالذل والهوان في بلد شقيق تبقى فيه الإدارة تحتكم إلى نفس القوانين الجائرة التي طالما دفع ثمنها الضعيف وحده فكيف بلاجئ فقير منعه الوجود الاستعماري من التمتع بأبسط حقوقه في الوجود وهي الجنسية، لأن غيابها يعني عدم إنسانية هذا الإنسان، كونه سيجد نفسه في متاهات وضياع يفقد فيهما ذاته فيصير بلا هوية مادية مثبوتة على الأوراق بالرغم من أنه يعرف هو ومن حوله حقيقة انتماءه الحضاري الضارب في عمق التاريخ، فيفقد بذلك وزنه ويحرم من أدنى ما يوفر له حياة كريمة أو تقترب منها. وهذا ما تجسده الشخصية المحورية للرواية وهي شخصية اللاجئ الجزائري «أحمد» الذي كان يشتغل بشكل مؤقت في مدرسة ابتدائية للبنات بذات القرية الحدودية. ولأنه كان يدرس اللغة العربية في مدرسة مديرتها فرنسية تمقت الجزائريين؛ فقد كان يلاقي منها هو ورفاقه من بني جلدته كل احتقار وتعنت وإهانة، إضافة إلى الراتب الزهيد الذي كان يتقاضاه. ولأنه لا يتقن لغة المستعمر فإنه سيبقى محكوما عليه بحرمانه الدائم من عمل مرموق لدى أشقائه كون أغلبهم يميلون إلى استحسان لغة المستعمر، فيرتفع حاملها درجات وإن لم ينل حظه من تعليم أكاديمي ولا شهادات. ومع كل الغربة والمعاناة للاجئ الجزائري والنظرة الدونية التي كان يتعرض لها من طرف إخوانه في البلدان الشقيقة، فإنه يمضي بجد في العمل النضالي بالتنسيق مع خلايا جبهة التحرير الوطني حيث كانت تكمل عمل جمعيات وطنية في سعيها الحثيث إلى محاربة الأمية والسهر على غرس الوعي الوطني القومي التحرري لدى كل فرد من أفراد الجزائر أينما كان وحيثما وجد. ورغم «تزمت» القرية وتمسكها بضرورة التضييق على المرأة وعدم السماح لأي نوع من أنواع الاختلاط بين الجنسين؛ إلا أن ذلك لم يكن لينقص من عزيمة الجزائريين على المشاركة في العمل المشترك على مستوى خلايا جبهة التحرير الوطني، ومن ذلك السهر على تنظيم حفلات توعوية يجتمع فيها اللاجئون واللاجئات لتجديد العزم ورفع الروح المعنوية بالأمل في غد جديد مشرق عسى أن يكون قريبا. ولأن اللاجئ الجزائري كان مهانا في غياب قانون يحميه؛ فإنه كثيرا ما كان يتعرض لما يتعرض الضعيف الغريب عادة من أنواع الكيد والظلم والاضطهاد من طرف ذوي السلطة والثروة والكلمة الأولى في القرية، بسبب فكره التحرري الثائر على جمود القرية باستثناء بعض العائلات الجزائرية التي سهرت على تعليم بناتها ودفعهن إلى العمل النضالي في صفوف جبهة التحرير الوطني كما هو حال ابتسام ابنة التاجر الجزائري «محمود». وتسلط الرواية الضوء على سلبيات الطبقية التي تفضح المجتمع المغربي بشكل رهيب آنذاك، فمن يملك الثروة وحده هو من كان يعتد بقوله ورأيه كما في حال مخنوق صاحب الثروة العريضة.