لم يعد بإمكان كل مواطني باب الواد دفن موتاهم في مقبرة القطار، فالطريقة الوحيدة لذلك هي إعادة فتح قبر قديم يعود لنفس العائلة أما من لا يتوفر فيه هذا الشرط فهو مضطر للبحث عن بلدية أخرى، هذا الأمر حولها لوجهة مفضلة للمنحرفين، قصد تعاطي المخدرات والكحول، كما لم يسلم هذا المكان حتى من العشاق الذين اتخذوا منها وكرا للتواري عن الأنظار وممارسة الرذيلة . ففي جولة استطلاعية قامت بها «البلاد» إلى المقبرة التقينا عدد من الحراس وبعض المواطنين للوقوف على حال المقبرة والمشاكل التي تواجهها، حيث قابلنا «كمال» وهو احد الحراس حيث اطلعنا على تاريخ المقبرة الذي يعود إلى 1830 وهي مقسمة إلى قسمين جزء قديم وجزء تم إنشاؤه منذ حوالي 30 سنة ورغم دلك يقول «الناس لا يجدون أماكن بالمقبرة فلا يوجد أي مكان شاغر، فالطريقة الوحيدة لإيجاد مكان هي فتح القبور القديمة التي تعود لنفس العائلة في حين يضطر باقي المواطنين للانتقال إلى مقابر خارج البلدية وفي الغالب يتجهون إلى مقبرة العالية». وهذا راجع حسب البعض إلى كثرة الموتى اثناء المأساة الوطنية في التسعينيات، بالإضافة إلى فيضانات باب الواد سنة 2001 التي، كما أن من بين الأسباب التي ساهمت في اكتظاظ مقبرة القطار أنها معنية ب 3 بلديات فإلى جانب باب الواد هناك واد قريش وبوزريعة، وهي مناطق شعبية تضم الكثير من السكان وهو ما يفسر قلة الأماكن بها، وبالعودة إلى تاريخ نشأتها، فقد كانت أيام الاحتلال الفرنسي مخصصة لدفن المرتزقة السنغاليين المقاتلين في الصفوف الفرنسية، وبعد الاستقلال أصبح الجزء الموجود به رفات الجنود السنغاليين يسمى بالمربع العسكري، وتتوفر المقبرة على 6 أبواب لاحظنا أن معظمها مهترئة، كالباب الرئيسي الموجود بمحاذاة مستشفى القطار كما يوجد على مستوى المدخل غرفة صغيرة للحارس لا تتوفر على أدنى الشروط المطلوبة في مكتب الاستقبال، حيث لا يوجد بها سوى كرسي متصدأ، رغم أن المؤسسة المشرفة على تسييرها المسماة «مؤسسة تسيير الجنائز والمقابر» تابعة لمصالح ولاية الجزائر . حتى المقبرة لم تسلممن العشاق والمنحرفين رغم أن المقبرة مكان يقشعر فيه البدن وتلين النفس حيث يتذكر الإنسان السوي الآخرة ويدرك مدى ضعفه، وأنه ذاهب من هده الدنيا لا محالة، غير أن بعض الناس لا يمكن وصفهم إلا أنهم «عباد قست قلوبهم»، فالعشاق لا يحترمون حرمة المكان الذي اتخذوا منه وكرا للتواري عن الأنظار وممارسة الرذيلة. فكم من مرة يقول احد الحراس وجدنا شباب وشابات داخل المقبرة. كما يستغل المنحرفون المكان لتعاطي المخدرات وشرب الخمر، بالإضافة إلى فئة العشاق ومدمني المخدرات، وأصبح اللصوص وقطاع الطرق يتجرأون هم كذلك على المقبرة، فقبل شهر اخبرنا «كمال» أن احد العمال وهو «حفار قبور» تعرض للضرب وسرقة هاتفه النقال، فبينما كان في المقبرة قطع طريقه أحد المنحرفين وقام بضربه، ثم أخد جواله وهرب، وهي الحادثة التي لم يلحظها الحراس نظرا لقلة عددهم بالمقارنة مع المساحة الواسعة للمقبرة، فرغم وجود مجموعتين تعملان ليلا ونهارا وتضم كل فرقة 3 حراس تبدأ المناوبة الأولى من الساعة السابعة صباحا إلى السابعة مساءا والثانية تعمل ال12 ساعة الأخرى إلا أن ذلك غير كاف برأي الحراس، حيث يجمع هؤلاء على أنهم معرضين للخطر، حيث يقول احدهم أن الحارس لا يملك سلاح ولا حتى هاتف لاسلكي للتواصل بينهم، فعملنا يقول «بدائي جدا»، متسائلا «كيف يمكن لي أن أتعامل مع منحرف يحمل سلاح أبيض وأنا أعزل». وفي هدا الصدد يقول «كمال» إنه يدخل أحيانا في مشاداة كلامية مع الدخلاء من متعاطي المخدرات وعشاق فالبعض منهم يقول يسمعنا كلاما قبيحا «لكننا مضطرين للتعامل معهم بالتي هي أحسن»، يضيف الحارس. الحراس: «قاتل الفتاةلا ينتمي إلى المؤسسة» وعن الجريمة التي وقعت قبل شهرين، حيث تعرضت امرأة للقتل من قبل شخص قيل حينها إنه عامل في المقبرة، وحكم عليه ب 20 سنة سجنا، وأكد «كمال» أن ذلك الشخص ليس عاملا في المقبرة ولا تربطه أي علاقة «بمؤسسة تسيير الجنائز والمقابر»، وإنما كان يستأجر من قبل البعض لترميم المقابر، مضيفا أن العمال لا علاقة لهم بالأمر. من جهة أخرى عمال المقبرة وهم الحراس و«الحفارين» إلى جانب المكلفين بقص العشب والبالغ عددهم حوالي 100 عامل يقولون إنهم يعانون من عدة مشاكل على رأسها الأجر المتدني حسبهم والذي لا يكفي من لديه عائلة، حيث يقول احد الحراس إنه يضطر أحيانا إلى «السلف» لإكمال الشهر، ويضيف أنه قلق على مستقبله، فمدة العقد الذي يوقعه لا تتعدى سنة ما يعني أنه معرض لفقدان عمله في أي لحظة، حارس آخر أخبرنا أنه يعمل في المقبرة منذ 7 سنوات وإلى الآن يقول لم يتم ترسيمي، «رغم أن الأشخاص الذين دخلوا معي تم ترسيمهم منذ سنوات»، مضيفا أنه لا يفهم السبب وراء ذلك، «بعض العمال لم يمر على دخولهم سوى سنة ونصف تم ترسيمهم وأنا يقولون لي اصبر». في سياق آخر بدأت أشغال ترميم الصور الذي انهار قبل شهرين أيام الاضطرابات الجوية التي شهدتها الجزائر في فصل الشتاء، العمال اعتبروا أن السبب الرئيسي وراء الانهيار يرجع إلى الطبيعة الجبلية للمكان الذي لا يليق أصلا أن يكون مقبرة، بالإضافة إلى قدم الصور.