أسامة وحيد تعود الذكرى وتعود معها الآلام والجراح.. فجر لم تستطع سنتان من الغياب أن تنزع عنه بأنه كان أدمع وأحزن فجر تجرعت فيه "أحمد مات" وأنه بعد الخامس عشر من شهر جويلية 2007 لم يعد هناك معنى للفرح ولا للأمل كما لم يعد هناك رسم لمن كنت أناديه الأخ والصديق والرفيق وتوأم الروح والفكر والحلم الكبير.. في ذلك الفجر من ذلك التاريخ الذي تمر عليه اليوم سنتان بالتمام والكمال، سقط ورقة بل شجرة مثمرة معلنة بأن الزمن الجميل انتهى وأن ذلك الكاتب الحالم والآمل والرائع، ما عاد له من جسد ومن كيان غير كتاب يتيم كان عنوانه "أجراس المكان" ليرحل الكاتب الأستاذ "أحمد بن الصغير" ويخلف وراءه ميراثا من الدموع والأحزان والجراح والمواجع التي لم تندمل ولا يمكن لأي زمن أن يجفف نزيفها، فالميت أحمد والراحل شاب في مقتبل العمر، ما ظن يوما بأن زمنه الحالم ستخطفه سكتة قلب في فجر كان من المفروض أن يأذن بانبلاج صبح لكن ما شاء الله فعل ووصفة جدتي على أن "القبر" يبرد الحزن والزمن يرمم الألم ويداوي النزيف، لم تكن إلا فتوى ميته من جدة عاشت قرنا ولا زالت لم تتعلم بعد بأن هناك طينة من الناس لا يمكن للقبر ولا للزمن أن يداوي جراحهم وفقدانهم، فقد كان أحمد فوق الموت ولكنه مات ليبقى رسمه يتجول في نفس فراغات الأمكنة والشوارع وتبقى حركاته وآماله وأحلامه ودموعه حكاية لم تمت ولن تموت ولا قدرة للقبر على كتم أنفاس "أجراس مكانها" فقد كان الميت أحمد والحالم أحمد والمفجوع زمن جميل فرض عليه القدر أن يقبر آخر الرجال المحترمين.. في ريعان شبابك وفي قمة عطائك كتب لك السفر بلا عود "يا أحمد" وكنت وكان الزمن زمنك والحلم حلمك والموت موتنا.. أنت يا بعضي الضائع مني، اخترت بدايتك وتجرعت نهايتك لكنك خلفت وراءك يتما شاملا، لا يعرف مرارته إلا من عرفك وعد أنفاسك وتحسس كم كنت كبيرا وعميقا ومحترما، ولأنك أصبحت من الغائبين، فيكفي أن تعرف أن ممراتك، أزقتك الضيقة، العجائز اللواتي كنت تتسرب إلى أكواخهن سرا لكي تربت على عجزهن، لازلن يفقدن في الزمن الذي غادرته، قصة الشاب الشهم والكريم والحالم الذي يفترش ابتسامة عريضة وطويلة الأمد لصناعة فرج الآخر ولو على حساب حزنه الكامن.. مرت سنتان على قبرك يا شتاتي ويا وجعي، ومرت معها ملايين "الحكاوي" عن صحفي وأديب وكاتب كبير خذله عمره قبل أن يتم رسالة بأنه كان كبيرا وشاملا وشريفا.. ولأنك بمنطق الحياة والموت إنسان بلا جسد فإنه يكفيك يا أحمد الزمن الجميل، أنك لازلت سيد المكان حيث نفس الأماكن ونفس الصور ونفس الضحكات التي كنت توزعها ولولا أن الجميع قال وأكد ووثق بأنك "مت" لقلت بأنك لازلت موجودا تدير ملحمة وجودك وأحلامك، فقد كنت ولازلت آخر الرجال المحترمين الذين تم قبرهم بحجة أنهم ماتوا وماهم بميتين.. إنك هنا.. وفي كل مكان.. والحزن على فقدانك كان قدري وقدرك.. فاللهم ارحم أحمد فقد كان أكبر من الموت لكنه مات.. اللهم ارحمه وعوضه خيرا عن زمنه وعن رفقته وعمن لازال يبكيه ويبكي رحيل الخالدين..