مع آخر ابتكارات العنف والسيف الذي انتقل من السلطة ووصل الآن ما بين الأحياء حي ضد حي وميت ضد ميت، تكون الحكومة قد وجدت نفسها أمام معضلة جديدة تفوق في خطورتها عنف الملاعب وحتى الإرهاب، مطلوبا منها حلها بواسطة سياسة الاستئصال كما دعا إلى ذلك رئيس مجلس الأمة، أي وداوني بالتي كانت هي الداء! صناعة واعدة!! واحد من أعضاء الباترونا أي أرباب العمل ممّن لا يسألهم أحد من أين جاؤوا وكيف أصبحوا أربابا في غياب شيء اسمه جهاز الكسب غير المشروع كما هو في مصر بعد الثورة الشعبية ضد النظام، قدم وصفا دقيقا لوضعية الصناعة الوطنية في البلاد التي تعول على «رونو» الفرنسية، لكي تتوج بها مسارها بعد أن انتهى إلى كساد وفساد لم تفلح في صنع مسمار واحد! فقد قال مثلا إنه لاحظ تقدما مهمّا في مجال صناعة السيوف وربما الرماح وخناجير الجزارين وموس بوسعادة الشهير، وهذا في معرض حديثه عن ظاهرة العنف التي انتقلت إلى الأحياء وتستخدم فيها تلك الأسلحة التقليدية كدرع صاروخي ومدفعي في سبيل تحقيق كرامة الحي! والعراك بين الأحياء داخل المدنية الواحدة بما فيها العاصمة وعدة مدن كبرى باعتبارها ظاهرة جديدة، يبدو أن أول من دشنوها هم جماعة باب الوادي مع جيرانهم في «تريولي» كما يسمى قبل أشهر فقط، هذه الظاهرة أقول حركت همة رئيس مجلس الأمة الشخص و«الصخش» الثاني في الدولة في الواجهة على الأقل فطالب أمام نواب «ارفع يدك يا اباه «بمضاعفة الجهد والعمل على استئصال العنف من جسم مجتعنا بعد انتشار العنف على مستوى بعض الأحياء! لاحظوا هنا أن بن صالح لم تفارقه لغة السلطة المعتمدة منذ عشرين عاما من اليوم الذي أوجدت فيها التربة الخصبة لنمو الإرهاب الذي بدت أطرافه معروفة في البداية قبل أن تصبح بعد ذلك غير معروفة وكلما زاد طول الإرهاب غاب السؤال عن الفاعلين والأسباب! فهو يستخدم مصطلح الاستئصال ويقرنه بجسم مجتمعه وليس بروحه! أما الاستئصال فقد آل إلى الفشل في حل حروب الإرهاب مع بقاء الدولة وافقة على رجليها وكرعيها، واستمرار الواقفين في النهب والسلب باسم الوقوف! وأما الروح التي نسيها بن صالح فقد يكون على حق، حين نسيها أو لم يذكرها بعد أن فارقت الجسم منذ زمان وظل كهيكل عظمي محنط تنهشه الغربان! لكن بن صالح أقر بوجود عصابات في التحت مثلما أقر وزيرنا الأول والأخير سي احميميد المنتهية ولايته وربما طموحه في التقائه بقدره لكي يصبح رئيسا في الحمام أي في عين الحمام (والدوش) ويحكمنا من هناك، فقد أقر بخطر مافيا المال على الحكم والسياسة! والحمد للَّه أن سلال الذي خلفه كوزير أول كان بعيدا عن تلك المافيا يلهو مع الماء والأنواء و«الڤلتة» التي أعيت من باورها وباعدها! فخرج منها إلى اليابسة! ومادام أن في الفوق مافيا وفي التحت عصابات كما هو مسلم به الآن، فلا يعقل ألاّ تكون رابطة بين الاثنين بحكم قانون الفعل وردة الفعل! أو أنت تذبح وأنا أسلخ! أو حتى بواسطة قانون شدوني أو أبول عليكم ترجمة لنفوذ مطلق بات معه من الصعب إقناع أصحابه بأن لكل شيء حدا مسموحا من النهب والسرقة إلى الاعتداء بالرمح والسيف واليد! عود على بدء… مع أن حروب المستقبل ستكون بين الآلات وليس بن الأشخاص كما تنبئنا بذلك سياسة حروب أمريكا التي تحرك الطائرة بدون طيار وراء أهداف إرهابية من مسافة 10 آلاف كلم، إلا أن هذه التقنية تزداد عنا بعدا بالنظر إلى كون المجتمع يعود إلى الوراء تفكيرا وممارسة سيخرج كما أتثبته معظم الدراسات الاجتماعية التي تتحدث عن عودة التزمت وروح المحافظة عند الشباب! تعكسها لغة الفتوى «حلال أو حرام» والتدين أو نقيضه المظهري على شاكلة «غط راسك»… مع أن كل الخلق فعل ذلك… ثم ماذا؟! لم يحدث شيء، بما فيه احتمال تغيير طفيف في سلوك الناس! الذي حدث الآن أن العنف المتوقع حصوله مع إعلان الموت السريري الإكلينيكي للإرهاب قد دخل من بابه الواسع، بعد أن اتخذ صورا عديدة من العنف وحتى استخدام السلاح الذي طورته الصناعة التقليدية الجزائرية بامتياز السيف! وهذه الصورة البدائية لشبان يحملون خناجر وسيوفا قد لا نشاهدها إلا في أفلام التاريخ، أي ما قبل التاريخ في عهد الحجارة ووقت اكتشاف النار لكنها حاضرة الآن في عدد من البلدان التي تنتمي إلى القرون الوسطى مثل بلاد الأفغان وهي أي الانتماء جريمة كاد يحاكم عليها رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير بدعوى إرسال جنود متحضرين للقتال في دولة تنتمى إلى القرون الوسطى! فما الذي أوصل الجزائريين للعودة الى تلك القرون مع أن كل الحكومات، بما فيها الأخيرة التي يقودها وزير الماء (سابقا) ألا ينتمون للمجتمع المستنير ونقيضه الظلامي أو عبارة عن تيكنوقراط ينفذون تعليمات وأوامر دون نقاش ولا يردون طلبا. بعض التفسيرات التقنية التي قدمت لتحليل ظاهرة حروب عصابات الأحياء أن تلك الأخيرة تتصارع من أجل السيطرة على مواقع مثل أماكن التوقف (الباركينغ) وحتى أماكن اللعب، وهو صراع على شاكلة صراع الراعي مع الراعي على مال سيدهما! مع أنه كان الأجدر بهما ألا يدخلا في «هوشة» من أجل الغير تطبيقا لأحد الثوابت الوطنية الجديدة «خاطيني» الذي يضاف إلى الثوابت الوطنية الأخرى ولا يجوز خرقها خوفا من تهديدات المسمين «وطنيين» بالخروج في مظاهرات منددة! وبعض التحاليل الأخرى ذهبت إلى أن دخول عناصر أجنبية داخل الحومة… أي حومتهم، بما اكتسبته من حرمات ومعارف ضيقة أصبح مقلقا بالنسبة إليهم باعتبارهم السكان الأصليين (أولاد البلاد)، ولهذا تنشأ حروب بالسيوف بينهم في أول احتكاك! أما البعض الآخر فذهب إلى أبعد من ذلك حين حمّل السلطات مسؤولية تجميع الأحياء القصديرية في مكان واحد… وهذه الأحياء التي يلتقي فيها العريان مع العريان كما في الحمام شكلت دائما مصدر تهديد بالنسبة للنظام العام، فهي تنتج الإرهاب والمنحرفين وهي التي يمكن أن تشكل الثورة الأولى لأي انتفاضة شعبية للمطالبة بالتغيير، رغم أن هذا مستبعد جدا، فالكل بمن فيهم هؤلاء مثل أي مرشح لكي يكون وزيرا أو سفيرا يستحيل أن يرفض المهمة تحت غطاء أنه يلبي واجب الوطن (والبطن) والدولة تحتاجه! فهل إن سياسة الجماعات المحلية (والمخلية) الحكيمة هي التي تقف وراء إنتاج هذا العنف القائم بين الأحياء؟ قد يكون جزء من سياستها وراء تلك الظاهرة، لكن حاشا أن تقولوا لنا أن فرنسا الاستعمارية هي التي علمت الجزائريين المحدثين (ممن لم يروا فافا في المنام) العنف بما فيه عنف الأحياء! فهذه الظاهرة لم تكن موجودة في وقتها، مع أن السلطات الاستعمارية التي علمت معظم الأنظمة التي خلفتها فنون حكم الشعوب وفق «جوّع كلبك يتبعك» أوصتها باتباع سياسة فرق تسد واللعب على أوتار الجهات والجهوية. حك الجلد!! ثمة نقطة إيجابية في ظاهرة حروب الأحياء أنها تلهي أصحابها بيت الداء، أي رأس السلطة! فصراع هؤلاء كالثيران فيما بينهم يجعل وصول قوتهم إليها كإعصار فيه دمار سار بسرعة 200 ألف ميل في الساعة قبل أن تنخفض درجة خطورته! حتى ولو اقترب الإعصار من إقامة الدولة كما حدث مؤخرا في أحياء تجاورها، والمشكلة أن إقامة الدولة التي تحوي الملاكمين من أمثال عما تو وزير النقل وهو لصالح لكي يكون قابضا شريرا ضد كل المتهربين من دفع ثمن تذاكر ركوبهم تمثل استثناء، لأن أحياء الجزائريين عموما بما فيها التي كانت تصنف راقية يتعايش فيها الغني والفقير والمجرم والسكير والمعدوم الضمير، كل ضمن دائرة مغلقة تتحول إلى عنف عند أول احتكاك، وما حكّ جلدك مثل ظفرك!!