خيانة الأمانة من الجرائم التي يظن بعض مرتكبيها بأنها من الجرائم البسيطة التي تقتصر عقوبتها على الغرامة المالية فقط ، غير أنها تصل بصاحبها في كثير من الأحيان إلى سلب الحرية الشخصية . و تشهد ملفات خيانة الأمانة تزايدا كبيرا على مستوى محاكمنا ، غير أن ما أثار انتباهنا و نحن نغطّي المحاكمات بشكل يومي ، هو أن من يصنع بطولة هذه الجريمة غالبا ما يكون من نضع فيه كامل ثقتنا . شهرزاد.م خيانة الأمانة جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس ، إذ ينص القانون على أنه يعاقب بالحبس من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو سندات أو أي مال آخر منقول إضرارا بأصحاب الحق متى كان قد سلم إليه على وجه الوديعة أو الإجارة أو الرهن أو عارية الاستعمال ، أو الرهن الحيازي ، و أخيراً الوكالة . و تعرف قضايا خيانة الأمانة اجتياحا كبيرا في المحاكم الجزائرية ، حيث تطرح تقريبا بشكل يومي، و يكون المتهمون بها أصدقاء يقاضون بعضهم البعض ، أو أصحاب يبنون علاقتهم برفاقهم لمجرّد نيل مرادهم بسرقة منازلهم أو أملاكهم، في حين يصل بآخرين إلى توريط أصدقاء بتهم لمجرّد إلحاق الأذى بهم . متهمون يستغلون ثقة أصدقائهم لخيانتهم و تعدٌ القضايا المطروحة في المحاكم أحسن دليل على ذلك ، حيث عالجت محكمة الجنح بالرويبة قضية متهم كان يستغل ثقة أصدقائه لينصب عليهم ويستولي على مركباتهم ويعيد بيعها في سوق الحراش ، بعدما يلجأ لتزوير البطاقة الرمادية، و كان من بين ضحاياه صديقه المقرّب ، حيث طلب منه هذا الأخير إعارته سيارته من أجل نقل أمه المريضة للمستشفى ، غير أنه بعد مضي يومين لم يقم بإرجاع المركبة ، وعند توجه الضحية لمنزل المتهم أخبره أنها تعرضت للسرقة من طرف مجهولين ، ليكتشف بعد مرور شهرين أن سيارته بيعت في سوق الحراش ببطاقة رمادية مزوّرة من المتهم. وعلى إثرها أودع الضحية شكوى لدى مصالح الأمن، ليكتشف أن هناك عدة شكاوي ضد المتهم ، حيث نصب على العديد من الأشخاص وأصحاب الوكالات لكراء السيارات بنفس الطريقة ، وأغلبيتهم من معارفه وأقاربه ، كما تم معالجة قضية خيانة أمانة أخرى تعرض لها أحد الأشخاص على يد شريكه الذي تربطه به علاقة صداقة منذ القدم ، حيث أودعا طلب الاستفادة من قرض بنكي قدره ملياري سنتيم ، وذلك من أجل انجاز مشروع ، غير أن المتهم في القضية استلم المبلغ وتصرف فيه دون علم شريكه ، وعند مواجهته أخبره أنه كان ينوي إرجاعه في أقرب الآجال ، الأمر الذي نزل كالصاعقة على الضحية ، حيث توجه إلى مصالح الأمن وأودع شكوى، ليحال المتهم على المحاكمة و توجه له تهمة خيانة الأمانة . وقد عرف مجلس قضاء العاصمة قضايا أخرى تتعلق بسرقة المنازل والأملاك ، يكون الضحايا فيها من أعز الأصدقاء للمتهمين ، حيث علمنا أن إحدى الشابات قد تقدمت بشكواها بمركز الشرطة تتهم فيها إحدى صديقاتها بسرقة أملاك منزلها رفقة خطيبها، بعدما أعارتهما منزلها المتواجد بقاريدي في فترة غيابها بفرنسا، وقد تفاجأت الضحية بعدما وجدت جميع أملاكها قد سرقت من قبل صديقتها، وقد غادرت أرض الوطن برفقة خطيبها، حيث أدانت المحكمة المتهمة وشريكها بالحبس غيابيا لأربع سنوات، مع إلزامهما بدفع تعويض مالي . أموال بالملايين و معادن صفراء في مهب الرياح بينما شهدت نفس المحكمة قضية سرقة أخرى كانت المتهمة بها صديقة الشابة التي قامت بإيداع شكوى ضدها، و من خلال حضورنا بالمحاكمة، تبين أن الحادثة جرت بعدما خططت المتهمة للجريمة خلال الأيام التي قضتها بمنزل صديقتها، حيث قامت باستنساخ مفاتيح بيتها ، لتقوم في اليوم الموالي بسرقة الأموال والمجوهرات ، بعدما كانت على علم بتواجدها بالمنزل ، لتستغل ذهابها للعمل و تقوم بفعلتها ،غيرا أنها لم تعترف عند مواجهتها بالتهمة المنسوبة إليها ، وفي قضية أخرى شهدتها محكمة الرويبة بطلتها فتاة في العشرينات من العمر قامت باستعارة طقم ذهبي من عند قريبتها من أجل حضور حفل زفاف صديقتها ، غير أنها لم ترجعه لها، و بهذا اضطرت الضحية إلى التوجه إلى منزلها ،وفي كل مرة تخلق لها ، كقولها أنها نسيته في منزل صديقتها ، وبعد مرور شهر تقريبا ، توجهت إلى مصالح الأمن ، أين قامت بإيداع شكوى ضدها، وتم توجيه تهمة خيانة الأمانة لها . و من المتورطين متهمون من نوع آخر ، يقومون بخيانة أرباب عملهم ، مثل قضية ناقل بضائع يشتغل بأحد المصانع بالعاصمة ، حيث استولى على بضاعة قيمتها 238 مليون سنتيم من المصنع الذي يشتغل فيه ، و الكائن مقرّه ببوشاوي ،حيث تم اكتشاف أمره من طرف صاحب المصنع الذي تفطن لإخراج المتهم دون أن يتلقى أمرا بالتنقل إلى وجهة ما ، وهو ما جعل الشكوك تراوده، خاصة وأنه حاول الاتصال للاستفسار منه و لم يرد ، حينها تم إيداع شكوى ضده. .. باسم "الثقة" يخونون أرباب عملهم وفي قضية أخرى لخيانة الأمانة تورط فيها بائع متجر، حيث قام بخيانة رب عمله واستولى على تلفزيون فخم ، حيث استغل هذا الأخير ثقة صاحب المتجر لينفذ عملية السرقة ، من جهته الضحية راودته الشكوك وقام بإيداع شكوى ضده ،غير أن المتهم لم يعترف أمام محكمة الرويبة ملصقا التهمة بزبون لا يعرفه ، كان قد زاره في المحل التجاري على أساس أنه سيشتري من عنده جهاز تلفزيون 42 بوصة، إضافة إلى جهاز للتكييف ، ولأن التلفزيون كان متوفرا في الغرفة الأمامية من المحل، فإن البائع استأذنه من أجل أن يأتي له بالمكيف من الغرفة الخلفية، وهو الأمر الذي قال أنه يستغرق حوالي 10 دقائق من الزمن، ويقول أنه بعد عودته من الغرفة الخلفية محملا بالمكيف ، تفاجأ باختفاء الزبون و كذا جهاز التلفزيون معه، حيث يفترض أن يكون حمله على متن سيارة بيجو "106" ، لكن الادّعاء يؤكد أن تلك الرواية ضعيفة ، بحكم أن سيارة من نوع بيجو 106 بصغرها لا يمكن لها أن تحمل جهاز تلفزيون من هذا الحجم، وفي الأخير تنازل الضحية عن حقوقه رأفة بوالدة المتهم المريضة . الجانب القانوني : خائن الأمانة يتعرض إلى عقوبات تصل إلى 5 سنوات حبسا نافذا وقد وردت جريمة خيانة الأمانة في المادة 376 من قانون العقوبات الجزائري، حيث جاء في نصّها " كل من اختلس أو بدد بسوء نية أوراقا تجارية أو نقودا أو بضائع أو أوراقا مالية أو مخالصات أو أية محررات أخرى تتضمن أو تثبت التزاما أو إبراء لم تكن قد سلمت إليه ، إلا على سبيل الإجازة أو الوديعة أو الوكالة أو الرهن أو عارية الاستعمال، أو لأداء عمل بأجر أو بغير أجر ، بشرط ردّها أو تقديمها أو لاستعمالها أو لاستخدامها في عمل معين ، و ذلك إضرارا بمالكيها أو واضعي اليد عليها أو حائزيها ، يعد مرتكبا لجريمة ، ويعاقب مرتكب خيانة الأمانة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات ، و بغرامة مالية من 500 إلى 20.000 دينار".