كانت الحدائق العامة قبلة العديد من العائلات الجزائرية على مر السنين بحثا عن الراحة والترفيه والاستمتاع بفضاء طبيعي في قلب المدينة، غير أن هذه الحدائق لم تعد تستقطب اهتمام العائلات الجزائرية لما تحمله نحوها من نظرة سلبية، كونها أصبحت مأوى للمتشردين والمدمنين والمجانين وحتى والعشاق الذين دنسوا طهرها وخدشوا الحياء بها، مما حرم المواطنين من الاستمتاع بهذا الفضاء والابتعاد عنه. هي حدائق لطالما كانت مفخرة للجزائريين والتي يعود تاريخ إنشائها في العاصمة الجزائرية إلى الحقبة الاستعمارية، أولها كانت حديقة التجارب، والتي تسمى برئة الجزائر العاصمة، التي افتتحت سنة 1832، تبعتها حدائق صوفيا والحرية وبيروت وغيرها من الحدائق التي نستوقف عندها. مأوى للمدمنين والمجانين وحتى للمواعيد غرامية اليوم ابتعدت العائلات الجزائرية من هذا الفضاء الطبيعي وأصبح الإقبال عليها يكاد يكون منعدما، بعدما استحوذ عليها المتشردون والمجانين، الذين شوهوا جمالها الطبيعي، وجهتنا كانت إلى بعض الحدائق العمومية بالجزائر العاصمة، أين وقفنا على مشاهد يخجل المرء من مشاهدتها ويتأسف لحالها، متشردون، مدمنون ومواعيد غرامية لا علاقة لها بمعنى الحب الطاهر، ناهيك عن انتشار الأوساخ والفضلات وغيرها، عن هذا الموضوع يقول صالح، 45سنة، الذي التقينا به بالقرب من حديقة صوفيا الواقعة في قلب العاصمة الجزائرية قرب البريد المركزي، "لقد دنس شباب اليوم هذه الحديقة بسلوكات لا أخلاقية تتنافى مع ديننا وتقاليدنا وعاداتنا، وهذه الممارسات أصبحت تنفر العائلات من الحدائق العامة"، من جهتها، تقول أسماء، 38سنة، "أصبحت الحديقة مكانا يتجمع فيه المجانين والمتشردون، ربما وجدوا الأمان داخلها". كوارث تحدث بها تصل حد الإجرام كانت وجهتنا إلى حديقة الحرية التي تتواجد في أعالي شارع ديدوش مراد بالجزائر العاصمة، التي يفترض أن تكون وجهة العصاميين بحثا عن جمال الطبيعة الساحر وبعيدا عن ضوضاء المدينة، لكنها في حقيقة الأمر هي المكان الأخير الذي يفكر فيه الجزائريون اللجوء لها، بعدما فرض داخلها قانون الغاب من طرف الشباب المنحرف، واستفحال ظاهرة السرقة داخلها، وعن أيام الزمن الجميل الذي كانت فيه الحدائق قبلة العائلات الجزائرية، حدثتنا بهيجة، 64 سنة، وهي تستحضر الذكريات قائلة "كنا نلتقي في الحديقة للخياطة والنسيج وتبادل أطراف الحديث مع الجارات، والأطفال يلعبون حولنا، لكن كل شيئ تغير في هذا الزمن وأصبحنا نشتاق إلى لون أخضر ومكان هادئ نحن إليه ونشعر بالراحة والطمأنينة فيه"، كما تعد حديقة غابة بن عمرالمتواجدة غرب الجزائر العاصمة، التي لاحظنا أنها خالية من الزوار في وضح النهار، على الرغم من اللوحات الطبيعية التي رسمت داخل جدرانها، و عن سر عزوف الناس عن ارتياد المكان، صرح لنا عامل بها أن السكان امتنعوا عن اللجوء لها منذ حوادث الإجرام التي وقعت بها ،ويضيف "وجدت هنا أشياء كثيرة، قارورات خمر، إبر طبية استعملت لحقن المخدرات ربما، وما لا أستطيع نسيانه، هو وجه رضيع ميت وجدته في كيس بلاستيكي في إحدى زوايا الحديقة". نبض الحياة يدق بحديقة الحامة بيروت في خضم هذه الصور المحزنة التي باتت تلف الحدائق العامة في الجزائر، تدق الحياة لبعض الحدائق العموميو بالجزائري وعرفت تغييرا جدريا جعلنا نقف وقفة احترام لها، حديقة بيروت الواقعة في قلب شارع كريم بلقاسم في أعالي العاصمة، واحدة من الحدائق التي زرعت بنا بصيص أمل وجعلتنا نأمل في غد أفضل ومستقبل مظهر يعيدنا للزمن الجميل، هي حديقة من أفضل الأمثلة التي يمكن اتباعها للتغيير إلى الأحسن، بعدما أصبحت قبلة للعائلات التي تبحث عن فسحة لها ولأبنائها، وذلك بشهادة البعض بها الذين أفصوا أنهم يلجؤون لها، محمد يقول"أقضي يومياً من ساعة إلى ساعتين في هذه الحديقة رفقة أحفادي الصغار، وذلك بعدما أعيد تأهيل الحديقة من طرف مصالح بلدية الجزائر الوسطى، إلى جانب حديقة التجارب الحامة الغنية عن التعريف و التي تعتبر أحد أفضل الأمثلة التي يحتذى بها في التغيير إلى الأحسن، حيث شهدت هذه الحديقة التي تدخل ضمن التراث العالمي تطورا ملحوظا خلال السنتين الماضيتين، وأصبحت بذلك ملاذ العائلات الجزائرية الباحثة عن هدوء الطبيعة وجمالها، بعد أن أصبحت النظافة تميز المكان، كما استحسنت العائلات الإجراءات الأمنية التي تنتهجها الحديقة، خاصة بالنسبة لتجوال أعوان الأمن في الحديقة باستمرار لمنع أي تجاوزات تشوه من صورة الحديقة.