بعرض "ف الحيط" للمخرج الدكتور جريو عبد القادر، أملا للظفر بإحدى جوائز التظاهرة المسرحية. وقد جرى العرض وسط جمهور كثير ووفير قدم للاستمتاع بجديد هذه المدينة التي عودت محبي الفن الرابع على الفرجة وصنع التميز، خصوصا وأنه كان يظفر دائما بجوائز عبر طبعات المهرجان، ومن لا يذكر مسرحية "نون" التي مثل فيها جريو دور البطولة وفي الأردن بكثير من الحفاوة والانتقاد أيضا. تابع الجمهور وصفق وضحك وقهقه واستمتع مع أطوار العرض، طالما أن هذا الأخير كان تهكميا وهجائيا على مدار ساعة وربعها، صيغ بطريقة ساخرة، ينتقد الأوضاع ويشير لمواضيع كثيرة دون أن يغوص فيها ويتعمق في حيثياتها. الجمهور الحاضر كان أكثره شبابا من الجنسين طبعا مع حضور للعائلات. هو عرض كان للفرجة واعتمد الإضحاك بما أتيح له من وسيلة، فهي الغاية القصوى من العرض من أجل أن يتصالح الجمهور مع قاعات المسرح، هي التسويقية المسرحية بلسان مصمم العرض. مسرحية تحكي عن "الدايم" الحاكم العسكري في المدينة المذكورة التي تعد الاستثناء في هذا العالم، هذا المصاب بداء العقم والذي يبحث عن شفاء، عن وريث شرعي طال انتظاره، والذي احتار الطبيب في وجود حل له ولعلاجه رغم تعداد وصفات الأدوية. ولما استفرغت كل الحيل واستنفذت كل الجهول وعجزت الحلول، تم اللجوء باقتراح أحد المسؤولين المرموقين النافذين في سلم المدينة "الماثلة" ب"مول النية" وهو مشعود جرب معرفته على الكثير من الشعب، منهن، ويؤتى به لقصر الأمير الكبير "الدايم". في المقابل يظهر العرض شابا يحمل هاتفه النقال وهو في اتصال فيسبوكي مع خطيبته المفترضة التي مضى على معرفتها 15 سنة، وليس هناك أمل في الزواج بها، هو مشكل السكن، الشاب الذي كل مرة يشير إلى عدد المعجبين والتابعين، هي سلطة من نوع أخر، سلطة العالم الافتراضي، وفي كل مرة يعاود ظهوره ليجدد الاهتمام بابراز طاقات هذ الممثل على الاضحاك. كانت قطع الديكور متحركة تظم شاشة وسطى كبيرة، نافذة فيسبوكية تطلع على جديد العرض وشاشات صغيرة موزعة على جدارين جانبيين، هي نوافد أخرى، لكن يبدو أنها لم تستعمل كلها ولم تكن لها ضرورة عدا نافذة أو نافذتين. في أول لقطة وأول مشهد يبدي الحاكم الدايم وهو يخرج من حمامه مرتديا ملابس الحمام.. يسقط الجزء الأسفل من الممثل الرئيسي فيما تفر إحدى الحاضرات التي قدمت مع زوجها من العرض، لعله التميز الذي أراده هذا المسرح العباسي، وما المبرر هنا "الإضحاك"؟ أم بعث الارتباك. عبارات "مول النية" كانت تلميحات فيها ما يضحك وتعتمد بعض الكلمات والجمل السوقية طالما أنه خريج هذه المدرسة الكبيرة والعريقة، حركات الشاب الفيسبوكي وهو يرقص بهستيريا وبطريقة فيها خلاعة ومبالغة تصل حد البلادة، هو أيضا للتميز، وقد استطاعت أن تفتك الضحكات من هنا ومن هناك. مسرحية تحكي عن الدائم وعن العقم وعن الحكم وعن الحلم الممنوع لشباب استعاضوا عن الحياة الواقعية بشبهها التخيلي، عبر جداريات الفايسبوك العالم الافتراضي. هي مسرحية موجّهة بالأساس للفيسبوكيين من جيل الشباب ممن لا يحسنون كتابة الألفاظ فضلا عن الجمل وهي ظاهرة عالمية يشتكي منها جميع الدول، فعنوان المسرحية هو "ف الحيط"، فلا أهمية للإعراب ولا للإملاء ولا لقواعد اللغة هي أشياء متعبة متلفة للوقت وغير مهمة والوقت ضيق. كان "القلال" و"القصبة"حاضرين ورقصة العلاوي التي رقصت والثلاثي باللباس التقليدي لكن ما عابها هو أداء الرقصة من قبل لابسي الجينس بطريقة هستيرية. وفي لقطة من مشهد الحاكم "الدايم" وهو يريد أن ينام فيطلب من الفرقة النحاسية المعززة بالقصبة والقلال أن تعزف له مقطوعة تساعد على النوم، وفعلا يبدأ الثلاثي ويغني أحدهم، فيرد عليه الدايم "باغي نرقد مشي باغي نخبط" ويستمر في تماديه "روح جيب لي قرعة روج"، ويضحك الجمهور طبعا ثم تعطف الفرقة بأغنية أخرى شهيرة في المنطقة ومطلعها "راني باغي نولي حلوف"، فليكن ولكن في الغابة أو في الشارع وليس في مسرح بشتارزي ويريد أيضا "يرقد في الطريق" ممنوع ترقد في الطريق، السيارات. ثم قضية الحديث عن الأولياء والصالحين في موضوع العقم ما مبررها وربط طقس "الحضرة" مع عمل المشعود "مول النية"، كلها ترصبات تدل على الخلط ووضع كامل الأشياء في سلة واحدة. لقد حاول المسرح العباسي أن يصنع الفارق وكان له ذلك ووصل الى ما هنالك. كتب نص المسرحية أحمد بن خال وإخراج أو تصميم العرض عبد القادر جريو، معالجة درامية يوسف ميلة، مثل الأدوار عبد الله جلاب، محمد قادري، عبد الله مربوح، أحمد بن خال في دور المشعود، أحمد سهلي، أبو بكر بن عيسى، تقني الإضاءة سيد مرابط سيد أحمد، الصوت العربي شريف، تقني الخشبة، سمير عبار والقرون محمد أمين، ملابس نجوية بن عيسى وانجازها نصيرة جقدو. أعقب العرض نقاش حول المسرحية، النقد الذي هو إضافة إبداعية وليس حلبة صراع، حيث قال مخرج العرض جريو، أن المسرحية والعمل أريد منه تصالح الجمهور مع المسرح، فكان التفكير في ما الذي يجب فعله من أجل جذب هذا الأخير، والعمل لا يعدو أن يكون سوى تجربة هو تكملة لمسرحية "دلالي"، وواضح هنا التأثر بالرصيد "الراويوي". والجمهور تفاعل مع العرض يقول -جريو- لأنه يتكلم عن الجزائر، أما كاتب النص أحمد بن خال فقال أن المسرحية ليست كتابة محترفة لكن لديه كتابات أخرى، وقد وضعت المسرحية في عجالة في أرعة أشهر، وكان المقرر تقديم مسرحية "ترتوف" المنافق لموليار، لكن وقع الاتفاق على "ف الحيط". من جهته امتدح الأستاذ عبد المجيد غريب كثيرا عرض جريو وقال بتعافي مسرحي بجاية وسيدي بلعباس والعودة القوية التي فيها في عرض "ف الحيط" اللغة الرمزية، وهي مصالحة للغة، وليست تلك اللغة المفرغة السطحية ولا الضحلة، هي مصالحة وعودة إلى الأشكال المسرحية الجزائرية من خلال مسرح الحلقة، ومسرح الفرجة وتداخل الأجناس المسرحية الجزائرية التي كان يعمل بها علولة وزياني شريف عياد "العيطة" و"بابور غرق" عند سليمان بن عيسى. ووصف المتحدث المخرج جريو بالماكر جدا لأنه حسبه لا يقدم فرجة من أجل الفرجة بل فرجة مشحونة بقضايا الناس وهذا الذي يجب أن يكون عليه المسرح، الفرجة من خلال العلاوي، التراث الشعبي والاشتغال على الرقصات وعلى الجملة الشعبية بمدلولاتها في مناطقها وهذا بحث، جملة فيه شحنات فلسفية فكرية عاطفية غنائية تراثية. الاشتغال على الموروث الشعبي وهو استمرار لعرض "دلالي". هو عرض للفرجة يتوافق ويتساوق مع ما يطلبه الجمهور هو التسويق. أما تدخل جمال سعداوي المعروف عنه انفعاله وتفاعله مع المسرح فرفضه جريو جملة وتفصيلا، رافضا نقده قائلا له "لا أقبل محاكمتك"، وهو الأمر الغريب، فالمسرحية تنتقد الاستبداد والحاكم الدائم الدكتاتوري رغم إرادة الشعب، وقد كان للمخرج صفة هذا الحاكم، مما جعل محمد لمين بحري الفائز بجائزة مصطفى كاتب ينسحب من النقاش على غرار جمال سعداوي.