تعرف مختلف شوارع العاصمة حركة غير عادية منذ بدء المهرجان الثقافي الأفريقي، خاصة الأماكن التي تحتضن فعاليات عرس القارة السمراء لمتابعة العروض الفنية المتنوعة التي تقدمها فرق إفريقية في المسرح والرقص والموسيقى والصناعات التقليدية. ويعتبر غالبيتهم أن التظاهرة الفنية المتنوعة فرصة للخروج عن الرتابة وروتين الحياة. ويعد قصر المعارض، من أكثر المواقع أهمية من حيث حجم الحضور بفضل اتساع المكان، وشد انتباه عائلات من العاصمة زارت المعرض، الجناح المخصص للهندسة المعمارية الطوبية الذي يعكس طريقة البناء التقليدي في غالبية بلدان أفريقيا. المجسمات الهندسية المصنوعة بالطوب وهو ما يبين عبقرية الإنسان الأفريقي الذي استطاع أن يبتكر حلولا في الأزمنة القديمة، بوسائل بدائية وإمكانيات شبه منعدمة، خاصة وأن الطوب يمثل مأوى غالبية السكان في أرياف القارة، حيث تعتبر مادة الطوب ثقافة وتراثا هاما لا يقدر الأفارقة للأسف قيمته ومكانته في حضارة الإنسان الأفريقي. وفي قصر الثقافة مفدي زكرياء، يعرض حوالي 200 حرفي من 30 بلدا أفريقيا منتوجات خاصة بصناعة السلات والمجوهرات، والنحت على الخشب وصناعة الزرابي والألبسة التقليدية والمطرزات وصناعة الجلود والفخار. ويشارك الجزائريون في التظاهرة بمنتوجات حرفية تميز كل مناطق الجزائر، بما فيها منتوجات قبائل الطوارق، التي جاءت من عمق الصحراء ومن الحدود مع مالي والنيجر، إضافة إلى مجموعة من المنحوتات الخشبية تمثل حيوانات تسكن أدغال أفريقيا، من صنع حرفيين من بوركينا فاسو وزرابي من صنع تونسي وتحفا من النحاس صنعها مصريون واستمتع جمهور العاصمة في ساحة رياض الفتح بعدد من الحفلات وقعها نجوم الأغنية الإفريقية، على غرار الحفل الذي وقعه إيقاع موسيقى المطرب الغيني الشهير موري كونتي، الذي رقص طويلا فوق الساحة وانضم إليه بعض الشباب من أنصار نادي محلي لكرة القدم، ورددوا معه أغنيته المعروفة عالميا «يكي يكي». ورقص الكثير من الجزائريين والطلبة الأفارقة الذين يدرسون في الجامعات الجزائرية، مستمتعين بأغاني كونتي وبإيقاع الآلات الموسيقية التي استعملتها فرقته، واستمر الحفل حتى الصباح وحاول الجمهور منع كونتي من مغادرة الساحة حيث ألحوا عليه إعادة بعض الأغنيات. وقد وعد محبيه بسهرات أخرى في إطار المهرجان، خارج العاصمة. وكان الجمهور نفسه على موعد مع مطرب آخر في إحدى السهرات لا يقل شهرة عن كونتي، هو السنغالي يوسو ندور الذي عبر عن ولعه بالمهرجان قائلا: " إن هذه المناسبة فرصة غير مسبوقة لجلب اهتمام الشباب للموسيقى الأفريقية. أعتقد أن أهمية هذا المهرجان تكمن في إطلاع الشباب على ثراء الفن الأفريقي بشكل عام والموسيقى الأفريقية بشكل خاص، ويمكنني التأكيد اليوم أنه تم إبلاغ هذه الرسالة بالنظر إلى الاهتمام الذي يوليه الشباب لهذه الموسيقى التي اعتبرها قوة إبلاغ رسائل للعالم لنثبت له أن قارتنا لا تختزل في البؤس والفقر والأمراض والحروب والانقلابات والقلاقل السياسية"، وتحدث ندور عن جمعيته التي أنشأها بفرنسا مطلع عام 2007 والتي تهتم بالموسيقيين الأفارقة المقيمين بأوروبا، حيث قال إنها "تجتهد لنشر الفن الأفريقي في كافة أنحاء العالم". وفي ساحة مقام الشهداء الفسيحة التي أضحت محج العائلات العاصمية، تابع عدد كبير من هواة الرقص الشعبي عروضا فلكلورية قدمتها فرقة الرقص الكونغولية "لي موي أوتانتيك"، وهي عبارة عن رقصات كانت تؤديها قبائل الموي الكونغولية في فترات الحرب التي عاشتها البلاد قديما. وتفاعل أعضاء فرق رقص شعبية جزائرية، مع أنغام من التراث الأفريقي في أجواء احتفالية تابعها باهتمام سكان العمارات المجاورة من شرفاتهم. ويقول رئيس فرقة "لي موي أوتانتيك" جان كلود ماكودا، إن الرقصات التي اختيرت لعرضها في المهرجان الثقافي كانت في السابق حكرا على الرجال دون النساء، وهي ترمز إلى محاربي قومية الموي الأشداء. ومع التطور الذي عرفه المجتمع في الكونغو، أصبحت النساء، حسب ماكودا، يشاركن في الحروب مثل الرجال، الأمر الذي جعلهن محاربات وبالتالي مؤديات لهذا النوع من الرقص. والموي، قوم يعيشون اليوم على ضفاف نهر الكونغو، كانوا في السابق عرضة لاعتداءات من طرف قبائل أخرى بهدف الاستيلاء على مواقع زراعية قرب النهر. ولصد الاعتداءات، أنشأت القبيلة جماعات من المحاربين الأقوياء للدفاع عنها.