بالرغم من اتصال الجزائر المبكر بالحضارة الأوروبية الذي فرضته عدة عوامل على رأسها الاحتلال الفرنسي الذي كان بمثابة البوابة التي تمر معها الثقافات الغربية عموما و الفرنسية على وجه الخصوص، إلا أن نشأة المسرح في الجزائر جاءت متأخرة مقارنة مع الدول العربية. و بالرغم من أن جل الدول العربية استهلت أول خطواتها في فضاء المسرح باعتمادها على نصوص عالمية خضعت للترجمة أو للاقتباس في غياب الكتاب المسرحيين آنذاك، إلا أن المسرح الجزائري الذي نشأ متشبعا بالقيم الوطنية تنبذ كل ما كان يصدر من قول و فعل من المستوطن خالف هذه القاعدة و رفض الاقتداء بالتجارب الغربية و اعتمد في انطلاقته على التراث الشعبي المحلي، و هذا ما ساهم في نجاحه و التفاف الجماهير حوله. و لم تفلح محاولات المستعمر الفرنسي في طمس الهوية الوطنية و القضاء على الثقافة العربية في الجزائر، بل هذه المحاولات البائسة زادت من عزيمة الشعب الجزائري على التشبث بالتراث الشعبي الأصيل . وشهدت عشرينيات القرن الماضي نهضة المسرح الجزائري الذي نشأ على يد كل من علالو ورشيد القسنطيني و باشطارزي ، معتمدين على الموروث الشعبي الذي كان يشكل جزءا هاما من مكونات الشعب الثقافية والفكرية. وبالرغم من قلتها و تركيزها على عنصر التسلية بالدرجة الأولى إلا أن العروض المسرحية كانت نابعة من تراث الشعب و تستعمل لغة الشعب وهذا ما جعل الجماهير تقبل عليها. كانت هذه أولى الخطوات التي اعتمدها رواد المسرح الجزائري على خلاف ما سار عليه المسرح العربي من خلال اعتماده على الترجمة و التعريب والاقتباس لمسرحيات عالمية، لكن لجوء المسرح العربي إلى هذا الخيار كان انتقاليا، و طرفيا فقط، حيث شهدت نهضة المسرح العربي بعدها ظهور كتاب مسرحيين كبار ساهموا في تأصيله وعودته إلى تراثه القومي، إلا أن الذي وقع عندنا هو عكس ما وقع في البلاد العربية و بالرغم من الأشواط الكبيرة التي قطعها المسرح الجزائري على غرار شقيقه العربي مكنته من اكتساب جيل من الكتاب المسرحيين ، و في الوقت الذي الذي رأى فيه رواد المسرح العربي أن ظاهرة الاقتباس لم يعد لها مبرر بعد تطويع مناخ العمل الأصيل والوصول إلى نقطة التحكم في آليات الكتابة المسرحية الأصيلة وتفتحوا على التأليف المحلي، تراجع المسرح الجزائري إلى حيث النقطة التي انطلق منها المسرح العربي قبل ما يقارب القرن من الزمن . و اكتسحت ظاهرة الاقتباس بعض مسارح الوطن ،على أيدي بعض المسرحيين المتأثرين بكل ما يأتي من الغرب. و انخرط أغلبية المخرجين المسرحيين في زمرة رافعي شعار *مايد إين لهيه* ، و صرفوا اهتمامهم عن كل ما يكتب محليا لأنه ليس في مستوى ما يصدر من وراء البحر على حد تقديرهم ، و أزاحت الأعمال المقتبسة الانتاجات الأصيلة و هذا بالرغم من بعدها و اختلافها عن واقعنا ، و وجد المتلقي من الجمهور العام نفسه أمام ظاهرة جديدة لم يألفها من قبل و أكثر من هذا فهي تطرح واقعا لا يعنيه. و بالتالي فهو لا يرى أي جدوى في تتبع أطوار مسرحية غير نابعة من بيئته و لا تتصل بمجتمعه و لا تخاطبه بلغته.