دعاني أحد الأصدقاء المحترمين أن أكون معه في لجنة انتقاء الممثلين لفيلم اجتماعي سينطلق في تصويره قريبا، سررت بهذه الدعوة وأبلغته أنني سأفعل كل ما في وسعي لأحضر لأني كنت بصدد التدريس في الجامعة، وأكدت له أنني بمجرد الانتهاء سأحضر، خاصة وأن عملية الكاستينغ ستأخذ أيام حتى تكون الفرصة للجميع بأن يقدموا كل ما لديهم لاختيارهم... حضرت في اليوم الثالث في أجواء يسودها الإخاء، خاصة وأن المخرج شخصية محبوبة وجادة ومستأنسة، وفي وجود كاتب النص وهو شاب طموح إلى درجة أنه لم يكتفي بالكتابة بل قام حتى بعملية الكاستينغ ليظهر للعامة أن الأمر جدي وحتى هو كذلك سيقدم لكي يتم اختياره، ومع حضور كذلك المنتج، وهو شاب أعتقد أنه مثقف، خاصة وأننا في الجزائر لا نهتم كثيرا بالعملية الإنتاجية لأن الأمر متعلق بالمال...وفي وجود كذلك بعض الوجوه الفنية التي لم تأخذ حضها كفاية في المشهد التمثيلي الجزائري للأسف رغم أنهم مولعين بالتمثيل ولديهم الكثير ليقدموه....لكن. في الحقيقة هناك بعض المواهب التي رأيتها من منظور الأستاذ في رأيي تستحق العناية، وبعض الآخر له تقديره، لكن ليس كل من يريد التمثيل سيصبح ممثل، البعض قادم وفي اعتقاده الخاطئ عن عملية الكاستينغ أنه يعرف يمثل، ويا ويل من لا يختارني، بينما الكاستينغ له علاقة مباشرة هل سيصلح هذا الممثل للدور أم لا، وهذا ما يقدره المخرج بالدرجة الأولى، فالرؤية الإستبدالية هي التي تحدد ذلك، على العموم.... مرت العملية وأخذت وقتا، ويوما بعد يوم رأيتني أتدخل بعد أستسمح المخرج في كل مرة، أولا لأني مؤمن أن قائد العمل هو صاحب الرؤية التي تحدثت عنها سلفا وكذلك لأنه حاز في نفسي أن لا أقدم بعض النصائح التي رأيتها مهمة لهؤلاء الشباب، وفي الحقيقة كانت أغلب التدخلات لا تصب فقط في علاقة الممثل بالكاميرا وإنما حتى عملية الوقوف والجلوس والمشي وما شابه، خاصة وأنهم كانوا يقدمون العملية فوق الركح وطبعا المسرح له أبجديات عند الوقوف على ركحه يجب أن تحترم أو على الأقل حتى تسمح للمخرج أن يختارك، فمثلا من المستحيل أن يختارك المخرج دون أن يرى وجهك المنفعل...إلى غير ذلك من البديهيات المسلم بها... وما لفت انتباهي أحد الشباب الذي كان مختلفا في الكاستينغ، حيث وبعد انتهائه قال:«نزيدكم حبة؟؟؟» قلت في نفسي ما هذه اللّغة؟ وكان بجانبي ممثل فقال له:«والفناك» طبعا ما بين كلام المتقدم للكاستينغ والممثل لا يوجد رابط منطقي، لكن هي اللّغة المختصرة الشبابية التي ظهرت وفي غفلة منا أصبحت تنتشر، لذلك ينظر إلينا شباب اليوم على أساس أننا لا نفهمهم بل ولا نحاول أن نفهمهم، وفي أحايين كثيرة نحن قدماء بالنسبة لهم... ذكرتني الحادثة ما وقع مع مسرحية « المغنية الصلعاء « عندما شوهدت للمرة الأولى، أكيد وجه الشبه بعيد، لكن ما أود قوله أن الأمور تغيرت وأصبح هناك جيل له ثقافته ومفرداته يريد أن يعبّر، وعلى أهل الاختصاص الحقيقيين أن يساعدوه دون أن يفرضوا عليه أفكارهم ومفرداتهم ووو.... ودعنا الكاستينغ على أمل أن تنجح العملية وعلى أمل ميلاد ممثلين جدد وعلى أمل كذلك أن أقدم خدمة لهؤلاء الشباب الذين سيختارون في الفيلم تتمثل في تلقينهم أساسيات العملية التمثيلية...طبعا مع تلقينهم لي بعض المفردات والعبارت الغير معروفة لديا....فأنا ما أعرفه هي اللغة الثالثة التي تحدث عنها توفيق الحكيم وعمل بها عبد القادر علولة في جلّ مسرحياته....فهل هي اللغة الرابعة التي أجهلها؟؟؟؟