- حينما نعرف أن نصف تعداد الشعب يستعمل الفايسبوك ندرك بسهولة مدى تأثيره في الحشد و التعبئة @ أتهم الفايسبوك بأنه عميل الماسونية و الصهيونية العاملة على تدمير الوطن العربي ابتداء من 2011 فهل ينطبق هذا التوصيف على ما يحدث بالجزائر ؟ إن قذف هذه التهم و التوصيفات على شبكات التواصل الاجتماعي لا تكون حاضرة إلا عندما تكون السلطة في مأزق و حصار من مستعملي الفايسبوك الذين استطاعوا بذكاء شديد أن يتجاوزوا آليات القمع وتكميم الأفواه وتكسير الأقلام من خلال إعادة إنتاج فضاء عمومي افتراضي و مجتمع شبكي متماسك ومشبك يتم فيه التعبير عن الرأي و التأسيس لتشاركية سياسية نضالية وكذلك فتح نقاشات جادة في الهوية الوطنية الجامعة وكل هذه القضايا تعرضت للاختطاف و الاستغلال من طرف السلطة ، و بالتالي فإن وصف الفايسبوك بالماسونية و الصهيونية هو من باب العبثية اللامبدعة و الكيدية المقيتة . @ بصفتكم متابع للحراك الشعبي في الجزائر فما هو السرّ في هذه الاستجابة المنقطعة النظير لنداءات التجمهر والوقوف والسير الجماهيري علما أنها صادرة من جهات فيسبوكية غير معلومة ؟ وهذا هو الأمر الذي يصيب السلطة بالتقرح و الاضطراب لأنها حاولت كثيرا السيطرة على هذه التكنولوجيا و تحويلها من سلطة التكنولوجيا إلى تكنولوجيا السلطة وفشلت فشلا ذريعا وهذا ربما يعيدنا تاريخيا إلى علاقة وسائل الاتصال و السلطة منذ تلك الثورة التي أسس لها غوتنبرغ عبر اختراعه الطابعة و التي استطاعت التهام سلطة الكنيسة وتحريك العقل الأوربي الراكد ، إذا العلاقة بين السلطة ووسائل الاتصال كانت دائما مضطربة ، ولعل أهم صفة في الفايسبوك هو إلغاءه للمرئي و المحسوس لأنه يستند إلى اللا مرئي و الفاعل الغائب المتخفي خلف الشبكات. @ هل يمكن القول أن الفايسبوك تحوّل إلى سلطة موازية لسلطة الواقع من حيث التعبئة والتجنيد و التوجيه و التأطير ؟ إذا ما استحضرنا مفهوم الفضاء العمومي عند هابرماس و الذي يرى أنه الفضاء الوسطي ما بين المجتمع المدني و الدولة و أنه المكان المتاح مبدئيا لجميع المواطنين حيث بإمكانهم الاجتماع وتكوين رأي عام ، فانطلاقا من هذا المفهوم نحن إلى ممارسة النقد السياسي و تشكيل قوة مدنية و جماعية واعية و متحركة تحاول بالطرق الحضارية مقاومة الجدارية التي تبنيها السلطة بين الفرد الجزائري وبين أسس الدولة المدنية التي تقوم على المواطنة و الديمقراطية ، وعليه نجد أن الفايسبوك نجح بشكل كبير في تعبئة الشباب الجزائري و الحقيقة أن هذه التعبئة ليست وليدة اللحظة ولكنها استمرت لسنوات من النقاشات و الحوار المفتوح . عدم وجود جهة معلومة تتبنى النداءات الفايسبوكية للتجمهر هل يعدّ نقطة ايجابية في مسار الحراك أم مهددة له ؟ إن أهم ميزة تجعل الحراك قويا ومنتعشا تتمثل في كونه بدون ممثلين و بدون جهات تتبناه خاصة في هذه المرحلة ولذلك تجد السلطة صعوبة في تفكيك الحركة من خلال ضرب مصادر التفكير و التوجيه و هنا نجد أنفسنا نتساءل مرة أخرى : هل تحتاج الثورات إلى قادة سياسيين يحركونها و يؤطرونها ؟ وهنا يجب أن نستدل بنموذج الثورة المصرية و الذي كان أحد أهم أسباب انتكاسته أنها كانت مؤطرة . @ ما السبيل لحماية سلمية المسيرات علما أن الفضاء الأزرق من السهولة بما كان اختراقه ؟ سلمية المسيرات كانت واقعا مشاهدا طوال الأسابيع الفارطة و لم يسجل أي تمظهرات للعنف أو التخريب ، علينا أن نفهم جيدا أن الأفكار و الوعي الذي يتحلى به مستعملي شبكة الانترنيت و حرصهم الشديد على إخراج هذه المسيرات في أبهى صورة هو الضامن الوحيد ، صحيح أن الفايسبوك سهل الاختراق و لكن الأفكار و الأهداف التي يتبناها النشطاء و غالبية الجزائريون من الصعب إسقاطها أو الالتفاف عليها . @ ما هي الأمور التي نجح فيها الفايسبوك في توجيه و تعبئة الرأي العام و فشلت فيها وسائل الإعلام التقليدية بمختلف أنواعها ؟ نجح الفايسبوك في توفير القدرة على الحضور الدائم و الفعال و غير المكلف على الساحة السياسية كراصد ومراقب و ناقد للأوضاع و الأحداث و هو الذي بقي زمنا طويلا رهينة للقمع الذي مارسه القائم بالاتصال عليه كمتلقي في وسائل الإعلام التقليدية ، كما أن الفايسبوك كرس ثقافة التعايش و التشاركية من خلال تبادل الكلمات و النصوص و مقاطع الفيديو و الصور بالإضافة إلى التفاعل العاطفي على المنشورات وهو الذي أضفى بعدا إنسانيا و اجتماعيا في هذه المنصات . @ هل خرج اليوم الفايسبوك و مواقع التواصل الاجتماعي عموما عن إطارها الافتراضي و أضحت واقعا غيّر الكثير من المعطيات و التوازنات السياسية والاجتماعية وحتى الدينية ؟ شبكات التواصل الاجتماعي تحظى باستعمال واسع لدى الشباب الجزائريين و خاصة موقع فايسبوك حيث أعلنت مؤسسة فايسبوكة أن أكثر من 20 مليون مستعمل لموقعها في الجزائر أي ما يعادل نصف التعداد السكاني و أن 53 % هم من فئة الشباب ، وبالتالي يسهل علينا فهم التأثير الذي يحدثه في تعبئة و تأطير الرأي العام وخلق جماعات و رؤى سياسية وفكرية متباينة حول عديد القضايا . @ ما الذي يميّز أجيال الفضاء الأزرق مقارنة بالأجيال السابقة التي تغذت وشربت من قوى نائمة كالسينما والمسرح و وسائل الإعلام التقليدية ؟ أعتقد أن هذه الأجيال تتحكم جيدا في التكنولوجيا و هو ما يتيح لها معرفة أوسع بالواقع وخاصة ما يتعلق بالإرهاصات ، وهم الأكثر توقا للإنعتاق و التحرر ولهذا فهم متمردون على كل النظم عابرون الى تطلعاتهم متجاوزين الحدود و الحواجز المكانية و الهوياتية ، لا أعتقد أن هناك ما يستطيع كبح هذا الجيل في تحقيق تطلعاته لهذا كانت النهايات عنيفة و مدمرة في الثورات العربية و نرصدها أيضا في تصاعد ظاهرة الهجرة الغير شرعية ، ربما ساهمت شبكات التواصل في إنتاج أجيال متطرفة و أقل مرونة في التعامل مع ما يواجهها من أزمات .