عندما تهيمن السلطة التنفيذية على مؤسسات الدولة وتخضعها لأوامرها وقراراتها وتعيين أعضائها والسلطة التنفيذية خاضعة لرئيس الجمهورية وحاشيته فإن عمل تلك المؤسسات يصير مقيدا وحركاتها محدودة أو مشلولة . فقد احتكر الرئيس السابق كل المسؤوليات الكبيرة والقرارات المصيرية في يده وخنق كل صوت معارض له واسند دورا كبيرا لأخيه للتحكم في أجهزة الدولة وأصبح هو الحاكم الفعلي للبلاد خارج القانون والدستور لأن المجلس الدستوري لم يؤد واجبه برفض ملف ترشح بوتفليقة للعهدة الرابعة سنة 2014 بسبب المرض والعجز عن الحركة والكلام فالمادة 182من الدستور تؤكد أن المجلس الدستوري هيئة مستقلة مكلفة بالسهر على احترام الدستور وصحة عمليات الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية وهو مكون من 12عضوا يعين رئيس الجمهورية 4منهم رئيس المجلس ونائبه وهنا مربط الفرس فهذا التعيين هو الذي جعل المجلس يقبل ترشيح بوتفليقة في الرابعة وقبول ملفه للعهدة الخامسة ولم يجتمع لتطبيق المادة 102من الدستور لإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية إلا بعد تصاعد مسيرات الحراك السلمي ومطالبة الفريق قايد صالح نائب وزير الدفاع ورئيس هيئة أركان الجيش الوطني الشعبي فأين النزاهة والحياد في ممارسة وظائفه حسب الدستور الذي يجعل قرارات المجلس نهائية وملزمة لجميع السلطات العمومية والسلطات الإدارية والقضائية ؟ إن هذا التقصير في أداء المجلس الدستوري جعل عصابة تمارس سلطات الرئيس من وراء الستار وتعبث بمصالح الوطن ومقدراته ناشرة الفوضى والفساد بكل أنواعه دون أن تتعرض للمحاسبة أو المراقبة ولولا ثورة الشعب ومساندة الجيش لها لحدثت الكارثة وهناك هيئة دستورية أخرى لها أهمية كبيرة لحماية الاقتصاد الوطني والمال العمومي ويتعلق الأمر بمجلس المحاسبة الذي جاء في المادة 192من الدستور أنه ((يتمتع بالاستقلالية ويكلف بالرقابة البعدية لأموال الدولة والجماعات الإقليمية والمرافق العمومية وكذلك رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة ويساهم في تطوير الحكم الراشد والشفافية في تسيير الأموال العمومية ))وله اختصاص قضائي وأداري حسب المادة 2من قانون 1995ويعد تقريرا سنويا يرسله إلى رئيس الجمهورية والذي يمكنه أن يخطر المجلس بكل ملف او مسالة ذات أهمية وطنية وإذا لا حظ المجلس حالات أو وقائع أو مخالفات تلحق ضررا بالخزينة العمومية أو بأموال الهيئات والمؤسسات العمومية يطلع فورا مسؤولي المصالح ؟ وإذا لاحظ وقائع ذات طابع جزائي يرسل الملف إلى النائب العام المختص إقليميا بغرض المتابعة القضائية وبإمكانه تسليط غرامات مالية على المحاسبين المخالفين للقانون وللمجلس صلاحية مراقبة أي مؤسسة أو مرفق عمومي والاطلاع على الوثائق والمستندات ويحظى بالحماية من الضغوطات والتهديدات وغيرها ورغم أن هذا المجلس كان يشتغل وله قضاة وإطارات مشهود لهم بالكفاءة والخبرة فقد ظل الفساد ينخر مؤسسات الدولة والاقتصاد الوطني لأن التقارير التي كانت ترسل إلى الرئاسة والبرلمان لم تلق التجاوب المناسب ولم تحول إلى العدالة وما على المجلس إلا البلاغ ونعود إلى الدستور المحقور الذي يتحدث المادة 202 عن الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته وهي سلطة إدارية مستقلة لدى رئيس الجمهورية تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية وهي هيئة استشارية ترفع إلى رئيس الجمهورية تقريرا سنويا عن نشاطها المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته والنقائص التي سجلتها في هذا المجال والتوصيات المقترحة وعندنا أيضا المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي كمؤسسة استشارية لدى رئيس الجمهورية الذي يبدو أنه كان يسمع لمستشاره الخاص شقيقه السعيد فقط الذي غيب دور المؤسسات الرقابية والاستشارية التي تحتاج للتنشيط والترميم وإعادة التأهيل وتوسيع صلاحياتها وجعلها تشعر بالمسؤولية الكاملة عن كل انحراف أو مساس بالمال العام والاقتصاد الوطني ومكافحة الفساد بدون هوادة وهي تتوفر على العنصر البشري بلا شك لكنها كانت مقيدة بالقرارات والتدخلات الفوقية فالنظام كان يرعى الفساد ويحمي المتورطين فيه وللتخلص من هذه الوضعية لابد من تحديد الصلاحيات وحماية أجهزة الرقابة والعاملين فيها من التعسف الإداري كالنقل والتوقيف والتهديد عندما يتعلق الأمر بالملفات الكبيرة والرؤوس الخشنة