مع بداية الأسبوع الثاني من الحملة الانتخابية لرئاسيات 17 أفريل، شرع مترشحون في توظيف ملف ”هدر المال العام” في خطابات بمضمون حماية أموال الجزائريين من النهب، إن هم اعتلوا كرسي قصر المرادية. بالنظر الى الجدال الذي أثير بقوة قبل أشهر بشأن قضايا الفساد (الخليفة وقضية سوناطراك)، توقع الجزائريون أن يكون هذا الملف، أول مادة دسمة يلعب على حبالها المترشحون لإقناع الجزائريين بالتصويت لصالحهم حتى يحموا أموالهم من عبث (السراق)، لكن المترشحين ابتعدوا عن الخوض في هذا الملف في الأسبوع الأول من الحملة، وأرجأوا ذلك إلى بداية الأسبوع الثاني، من حيث وضع المترشح علي بن فليس، ”غلق كل المنافذ أمام نهب المال العام وفرض الرقابة القبلية والبعدية” كأولوية لديه، مثلما ذكر من قسنطينة أول أمس، بينما شدد المترشح علي فوزي رباعين على ”محاربة الرشوة” ووعد بتفعيل مؤسسات الرقابة لاسيما مجلس المحاسبة، أما المترشح موسى تواتي، فقصف محيط الرئيس ووصفهم ب”سراق أموال الشعب والمرتشين”. وتطرح مسألة الرقابة على المال العام، إشكاليات في التنفيذ، من حيث يتوارى أي أثر لعمل المؤسسات المعنية على الأرض، على غرار مجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية، حتى في خضم الجدال حول ملف الفساد، في ظل غموض يسود نشاط مرصد مكافحة الفساد وهيئة الوقاية منه، اللذين تشكلا بموجب قانون مكافحة الفساد للعام 2006، وتتعدد الاجتهادات بخصوص أسباب غياب مظاهر الرقابة على المال العام، بين من يرى أن القوانين المؤطرة لعمل مجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية، وراء محدودية تدخلهما على الأرض من أجل حماية المال العام من العبث، حيث أنها مقيدة ببنود تضع بطريقة غير مباشرة خطوطا حمراء، أمام تقدم التحقيقات، وبين من يعتقد أن الأمر أبعد من ذلك، إلى غياب إرادة سياسية فعلية في الضرب بيد من حديد، من يتساهل في قضايا تبديد أموال الشعب، وهو الاعتقاد الذي رافق قضية ”سوناطراك 2” وقضية ”الخليفة”. وحتى وإن اختلف الوضع القانوني للهيئتين المذكورتين، من حيث أن مجلس المحاسبة، هيئة دستورية مستقلة، نصت عليه المادة 170 من الدستور التي تقول: يؤسس مجلس المحاسبة ويكلف بالرقابة البعدية لأموال الدولة والجماعات الإقليمية والمرافق العمومية”، كما تنص: ”يعد مجلس المحاسبة تقريرا سنويا يرفع إلى رئيس الجمهورية”، بينما المفتشية العامة للمالية، هيئة رقابية تابعة لوزارة المالية، فإن طبيعة مهامهما المتشابهة، تلتقي في مسعى الرقابة على المال العام، لكن هناك فرقا بين الهيئتين، فمجلس المحاسبة أكثر المؤسسات الرقابية خاضعة للضغوط، بدليل احتجاج قضاة يشتغلون به وطالبتهم بالسماح لهم بممارسة مهامهم، ما يعني أن ”اليد السياسية” متدخلة في الموضوع أكثر من الاعتقاد أن القانون الذي يحكم المجلس لا يسمح بتجاوز الخطوط الحمراء. وتطرح إشكالية ”الاستقلالية” كأهم عامل في نشاط هيئات الرقابة، وواقعيا، فإن أي هيئة تكون تابعة مباشرة للسلطات العمومية لا ينتظر منها أن تذهب بعيدا في نشاطها، خاصة إذا كان نشاطا رقابيا، بدليل ما صرح به سابقا، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، فاروق قسنطيني، ”من أن 7000 قضية فساد ماتت بالتقادم على مستوى المحاكم”. وفي ظل هذا الوضع، فإن سياسة التواصل مع الرأي العام الذي يهمه معرفة مصير أموال الدولة التي هي أموال الشعب، غائبة رغم ما ينص عليه القانون، فبالنسبة لمجلس المحاسبة، فإن الدستور يلزمه بأن يقدم تقريره لرئيس الجمهورية، لكن حتى وإن فعل المجلس ذلك، فإن التقرير لا يعرف مضمونه، علاوة عن ذلك، لا تظهر هناك متابعة على الأرض، بخصوص ما يورد من فضائح في تقارير مجلس المحاسبة.