قلنا فيما مضى ..الملائكة لا تسكن الأرض هذا الذي نظر الأعمى إليه ..لم يستأذن أحدا ..أتى من خلف الجدار ملثما ..عيناه الجاحظتان تشعان شررا لا يقهر ..خطاه المغضوب عليها تتحرك كما تتحرك الحية الرقطاء ..يداه الغليظتان تهزان الأفئدة هزا عنيفا .. تساقط سعف النخيل هلعا حينما لمحته قادما .. لم يتجرأ أحد أن يقف سدا منيعا أمامه ..لم يتجرأ أحد كي يسأله ..كي يثنيه : - يا هذا ..الليل لا يزال طويلا ولم يحن رحيل الملائكة بعد .. العصافير الناعمة كانت ترقد بسلام في أقفاصها الثمانية ..كانت ترتدي أجمل الملابس البيضاء وكانت أحاديثها الطفولية هذا الصباح ..عن الشمس التي ستشرق قريبا وتعيد للرمال بريقها ..عن الذين ركبوا أمواج البحر وقاوموا بكل عزيمة شتاء هذا العام ..عن الذين أقسموا بالله وجمعته المباركة أن الأبواب التي ظلت موصدة ستفتح لا محالة ..عن الأشجار المتجذرة التي أينعت في هاته التربة الطينية .. الأعمى لم يكن يدري قبل أن يرقد بسلام أن الذي نظر إليه كان يستخف ويضحك في قرارة نفسه عليه وعليهم وعلينا ..وأن آخر آية سيقرؤها : - بأي ذنب قتلت ؟