إذا كان ما جاء في بيان مجلس الوزراء الأخير من تدابير لإحداث القطيعة مع الممارسات السابقة ؛ و منها وضع دليل إحصائي للإنتاج الوطني و الحث على منع استيراد المواد المنتجة محليا ، لحماية الإنتاج الوطني و تقليص فاتورة الاستيراد , قد تدفع بعض المستوردين , إلى الاستثمار في إنتاج ما يستوردونه حاليا , داخل الوطن , للاستفادة من تحفيزات الإنتاج المحلي , و هي تحفيزات لم تعد تمنح جزافا و إنما على أساس ما تضخه من قيمة مضافة في السوق الوطنية ؛ و إذا كان الارتفاع المرتقب لأسعار البضائع المستوردة , سيقلص من حجم تهريب البضائع عبر الحدود ؛ غير أن ذلك من شأنه أيضا , أن يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين , حتى بعد استفادة عمال الأصناف الدنيا من الزيادات في الأجور المقررة في إطار إعفائهم من الضريبة على الدخل. كما أن عزوف المستوردين عن استيراد بضائع معينة لا تحقق لهم الربح الكافي , قد يعيدنا إلى عهد ندرة بعض المواد الضرورية لبعض الفئات الاجتماعية و ما يترتب على ذلك من تثيرات على مستوى الجبهةالداخلية. و هي مخاوف تزداد إلحاحا , عندما نعلم أن السياسة الاقتصادية المقترحة من طرف الحكومة , تعتمد في كثير من تدابيرها على "فرضية " تجاوب المواطنين و المستثمرين معها , سواء من حيث ترشيد النفقات , أو من حيث مكافحة التبذير بكل أشكاله و خاصة تبذير مادة الخبز الذي يكلف البلاد حوالي 350 مليون دولار سنويا, و هو مبلغ يمكن استغلاله في إنجاز مشاريع وطنية تعود بالنفع على المواطن, كما لاحظ ذلك رئيس الجمهورية.و ما قيل عن الخبز يقال عن مختلف المنتوجات الوطنية و لا سيما الفلاحية التي إن تراجع إنتاجها موسما واحدا, اضطررنا إلى استيرادها , و إن زاد حجمها عن الحاجة, عجزنا عن تحويلها أو تخزينها أو تصديرها لمن هم في حاجة إليها . و أمثلة البطاطا و الطماطم و البصل و التمور و بعض الفواكه , التي تتكرر من حين لآخر مشاكل تسويقها, سوى الجزء البارز من جبل الثلج , و ما قصة "استيراد تفاح فرنسا" على حساب الإنتاج الوطني سوى عينة عما المعاملات التجارية التي استنزفت أرصدة البلاد من العملة الصعبة. إن الاستغلال الأمثل و الاستفادة القصوى للمستثمرين من التحفيزات و التسهيلات التي تخصهم بها الحكومة وفق التدابير الجديدة و لا سيما في مجال الحصول على العقار الصناعي , الذي تدعم بإنجاز31 منطقة صناعية مؤخرا, سيتيح فرصا لتنويع موارد الاقتصاد الوطني في مختلف قطاعات النشاط ,و خاصة منها تلك التي تتوفر على القدرات الكافية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من الاحتياجات الوطنية في القطاعات التي اوكل لها مجلس الوزراء هذه المهمة الوطنية . و السؤال الواجب الطرح هو ,هل تكفي الثقة في تجاوب المواطن و المستثمرين ,ضمانا كي تؤتي هذه السياسة أكلها , في تجاوز الصعوبات الاقتصادية الراهنة للبلاد ؟ فيد واحدة لا تصفق كما يقول المثل الشعبي.