لقد كانت بعض الأحزاب السياسية من بين الفعاليات الاجتماعية الأولى التي أبدت مواقفها من انتشار وباء كورونا ,مثل حركة مجتمع السلم و جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية و غيرها , و تلخصت هذه المواقف في الدعوة إلى" ضرورة الامتثال إلى الإجراءات الوقائية لمواجهة مخاطر فيروس كورونا الذي انتشر في الجزائر وخلف ضحايا وذلك من أجل الحفاظ على صحة الشعب الجزائري المهدد بهذا الوباء, لاسيما خلال التجمعات الشعبية". و هذا منذ منتصف شهر مارس الفارط , كما حث بعضها هياكله و مؤسساته على "القيام بمسؤوليتها المجتمعية وفق برنامج شامل للخدمة العامة بغرض مواجهة هذا الوباء والتعاون مع السلطات المخولة لهذا الغرض في جميع الولايات والبلديات".. في حين اكتفت أحزاب أخرى "بتعليق كل نشاطاتها التي قد تكون عاملا لانتشار فيروس كورونا وذلك إلى غاية تحسن الوضع الصحي في البلاد". و رغم أن شلل النشاط الحزبي في زمن الجائحة يمكن تبريره بقيود الحجر الصحي و التباعد الاجتماعي , و بافتقار الأحزاب إلى وسائل التواصل عن بعد , و ضعف هيكلتها جغرافيا و تنظيميا , إلاّ أن بعض الأحزاب المهيكلة نسبيا استمرت في تقديم ما في وسعها لمواجهة الأزمة الصحية حيث يؤكد مسؤولو حركة مجتمع السلم في هذا الشأن أنهم يديرون عبر الفضاء الإلكتروني "شبكة كبيرة من الهياكل والجمعيات والمنظمات للمساعدة في تسيير وتخفيف أعباء الوباء. كما أنّ مناضليهم موجودون في الميدان للعمل على مواجهة الأزمة". و نفس الحضور أكده رئيس حركة البناء الوطني في تصريح صحفي أبرز خلاله حرص حزبه :" على مواكبة الأزمة الوبائية منذ اللحظة الأولى ..، و أن قيادات الحركة وكوادرها موجودون في الميدان لدعم كل جهد في هذا الظرف". و مع ذلك لا يمكن لهذه الأنشطة الحزبية التي تتم عبر الفضاء الإلكتروني أن تعوض النشاطات العادية التي تتم عادة عبر المهرجانات الشعبية و التجمعات الجماهيرية و الجامعات الصيفية , كما لا يمكن أن ننتظر من أحزاب وضعت كل "بيضها" في سلة بقايا الحراك الشعبي , و أخرى تلقت ضربة قاسية من الحراك الشعبي أطاحت برؤوسها و أضعفت هياكلها , أن تكون لها أية مساهمة إيجابية في معركة التصدي لوباء كورونا الذي أجل معظم المشاريع السياسية , و حتى أولويات السلطة إلى ما بعد انجلاء خطر الفيروس القاتل. و في جميع الأحوال , فإن الاستمرار في شيطنة الأحزاب و تثبيط عزائم قياداتها و مناضليها , لن ينتج سوى مزيد من عزوف المواطنين عن الانخراط في النشاط السياسي , و يديم عجز الأحزاب عن القيام بدورها في تأطير الحياة السياسية , و يصيب مناضليها الموجودين في الكثير من "الجمعيات الخيرية التي أثبتت وجودها في أزمة كورونا" يصيبهم بالإحباط و اليأس و حتى القنوط , إذ الكثير من هذه الجمعيات إنما هي أذرع اجتماعية لبعض الأحزاب الرئيسية في البلاد. و لذا لا بد من التمييز دائما بين الغث و السمين ضمن الخارطة الحزبية في البلاد , حتى لا نكلف أحزابا عجزت عن التحكم في قواعدها مهاما أعجزت دولا عظمى .