مواطن الحياة كلها عبارة عن مداخل ومخارج، وأول مخرج للإنسان خروجه من رحم أمه إلى الدنيا ثم تكون حياته كلها مداخل ومخارج حتى يخرج من الحياة الدنيا في رحلة إلى القبر ثم خروجه من القبر في الآخرة إلى يوم الحساب ... لذلك كان لزاما على كل واحد أن يحرص لتكون مداخله مداخل صدق ومخارجه مخارج صدق قال الله تعالى :« وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا» فهذا دعاء قرآني لا يفوتك في كل أمور حياتك .. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو المدعوم من ربه سبحانه وتعالى، لا يتوقف أبدًا عن الأخذ بالأسباب في حله وترحاله، لكن ذلك لم يجعله ينقطع تمامًا إلى الأخذ بالأسباب المادية دون سواها، فكان لا يفتر لسانه عن الذكر والدعاء، يدعو الله مخلصًا من قلبه أن يرزقه التوفيق والفلاح في كل خطوة يخطوها ابتغاء مرضاة الله. وليس هناك من حدث أعظم في تاريخ الإسلام من حدث الهجرة، الذي مثّل علامة فارقة في تاريخ الدعوة الإسلامية، وانتقل بها من مرحلة كان يواجه فيها التضييق والعنت بل والمنع إلى مرحلة التوسع والإنتشار، لم تكن الهجرة حدثًا عشوائيًا جرى في يوم وليلة، بل كان مرتبًا ومعدًا له، حتى تأتي اللحظة التي يأذن الله لنبيه بالهجرة من مكة إلى المدينة. وإنّ النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقبل على ذلك، لا يفتر عن الدعاء ملتمسا من الله أن ييسر سبيله .. وأن يجنبه المخاطر، لإيصال دعوته إلى أهل الأرض قاطبة، وهو قرار مصيري، لم يكن يخطو إليه إلا بتأييد من الله ودعم منه عز وجل، فلم تدخر قريش أية فرصة لتصل إليه، فقريش هي من أجمعت على قتله، حتى تقضي على الإسلام في مهده، لكن الله لم و لن يمكنها من ذلك « يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ » فبماذا دعا النبي ربه ليعينه وينصره، قبل أن يمضي مهاجرًا إلى المدينة؟؟؟ لقد أمر الله نبيه من فوق سبع سماوات أن يدعو بهذا الدعاء القرآني العظيم: «وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا» (الإسراء: 80) ولقد علّمه ربه ما يقوله ويناجيه به، ملتمسًا صدق المدخل إلى المدينة، وصدق المخرج من مكة، والصدق هو الإخلاص في العمل، فلا بارك الله في عمل يفتقد إلى صدق الإخلاص، فما بالك وإن كان هذا العمل يقترن بأجل وأعظم مهمة يقوم بها إنسان على وجه الأرض، ألا وهي إيصال دعوة الله الحق إلى جميع الخلق، وهكذا كل مسلم يتقيد بالسير على خطى نبيه صلى الله عليه وسلم، يلتمس سنته، ويقتفي أثره يسير على هديه، يدعو ربه بمثل ما دعا به نبيه من قبل، ويرجو التيسير إلى ما يرضي الله رب العالمين، مع ما يأخذ به من الأسباب في حياته، حتى لا يغيب عنه التوفيق في كل أموره، صغيرها وكبيرها، ويقرن ذلك بصدق التوجه إلى الله، فيكتب له المثوبة والأجر، فضلاً عن أن يرزقه البصيرة، فلا يتعثر في أي خطوة يخطوها، ولا يمضي في طريق يغضب الله. يقول ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله: «وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا » ومعنى «مخرجَ الصدق»، و«مدخل الصدق»، فهو أي العبد لا يدخل أو يخرج بدون هدف، فإن خرج من مكان إلى آخر، فليكن مخرجه مخرج صدق، يعني: مطابقًا لواقع مهمته، وإن دخل مكانًا فليكن دخوله مدخل صدق. أي: لهدف محدد يريد تحقيقه، وأي هدف أسمى مما خرج إليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم . وأنت فإن دخلت محلاً مثلاً، فادخل لهدف، كشراء سلعة مثلاً، فهذا دخول صدق، أما لو دخلت دون هدف أو دخلت لتؤذي خلق الله، فليس في هذا دخول صدق أبدا . إذن المعنى المقصود أن يكون دخولك لله وخروجك لله وهكذا، كما كان خروج رسول الله من مكة ودخوله المدينة، فكان خروجه لله، ودخوله لله، خرج مخرج صدق، ودخل مدخل صدق. فما أحوجنا اليوم إلى مداخل الصدق لتكون مخارجنا مخارج صدق ،!!!!! فإن كنت داخلا على زواج فليكن ذلك على صدق وإن كنت داخلا على عمل فاحرص أن يكون دخولك دخول صدق ، وإن كنت داخلا على تجارة فاحرص أن يكون دخولك دخول صدق، وإن كنت داخلا على مسؤولية فاحرص أن يكون دخولك دخول صدق، ولذلك نقول : من تزوج امرأة طمعا في مالها ما دخل مدخل صدق، ومن تولى منصبا يبتغي من ورائه متاع الدنيا ما دخل مدخل صدق ومن تعلم العلم لينال الشهرة ما دخل مدخل صدق، وهكذا في جميع مناحي الحياة. وما دامت البدايات عناوين للنهايات فإن أمثال هؤلاء الذين لم يدخلوا مداخل صدق فهم أبدا لن يخرجوا مخارج صدق، فقط لأن الجزاء من جنس العمل فالصدق معناه أن يطابق الواقع والسلوك ما تضمره في نفسك، فلا يكن لك تصور ومقصد في نفسك، ولك حركة مخالفة لهذا القصد. ثم يختم الدعاء بقوله تعالى: «وَ0جْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً » طلب الرسول صلى الله عليه وسلم النُّصْرة من الله تعالى لأنه أرسله بمنهج الحق، وسوف يصطدم هذا الحق بأهل الباطل والفساد الذين يحرصون على الباطل، وينتفعون بالفساد، وهؤلاء سوف يُعَادُون الدعوة، ويُجابِهونها؛ لذلك توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى الذي أرسله واستعان به على مواجهة أعدائه أن يهبه النصر،فكان له ما أحب قال تعالى :« وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» متى يقال: رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق؟؟؟؟ يقول الإمام ابن القيم: «وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد، فإنه لا يزال داخلاً في أمر وخارجًا من أمر، فمتى كان دخوله لله وبالله وخروجه كذلك كان قد أُدخل مدخل صدق وأُخرج مخرج صدق». ويقول الإمام الزرقاني في شرح «الموطأ» تعليقًا على حديث: من نزل منزلاً فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل يقول: (ليس ذلك خاصًا بمنازل السفر، بل عام في كل موضع جلس فيه أو نام، وكذلك لو قالها عند خروجه للسفر.) وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد: أنه يقرأ مع الحديث المذكور: رب أنزلني منزلاً مباركًا وأنت خير المنزلين)، ثم ، (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وأجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا). وروى ابن أبي شيبة في مصنفه: «أن عمر بن عبد العزيز كان إذا دخل بيتا، قال: بسم الله، والحمد لله، ولا قوة إلا بالله، والسلام على نبي الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وأدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا، وهب لي من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب، اللهم احفظني من فوقي أن أختطف ومن تحت رجلي أن يخسف بي، وعن يميني وعن شمالي من الشيطان الرجيم». والآن قد يقول أحدنا ما سر تأثير هذا الدعاء؟ فنقول: يكفي هذا الدعاء خيرا وبركة أن الله خص به نبيه وأمره أن يدعو به. وأنا منذ أن حفظت هذه الآية أصبحت أدعو بها وأرددها كلما هممت بالخروج والدخول وقد أزيد معها عند الخروج بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله.وذلك دون أن أنسى أذكار الصباح والمساء، فالحمدلله على تيسيره وتسهيل أموري كلها، فإذا كنت أخي مبتدئَا عملا جديدا فقل يارب: «ادخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق»، فلا يفوتك هذا الدعاء القرآني، اجعله يقينا في قلبك وحركة تحرك به لسانك على الدوام والله الموفق وهو يهدي السبيل.