تستعد الجزائر لتنظيم استحقاقات انتخابية مهمة في الأشهر القادمة على مسار بناء الدولة الجديدة بعد استفتاء الشعب على الدستور الجديد يوم أول نوفمبر الماضي ،و هكذا فإن الاستعدادات على قدم وساق حول مشروع قانون الانتخابات الجديد ، حيث أن رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, في الأيام الماضية جلسة عمل خصصت للمشروع التمهيدي للقانون العضوي لنظام الانتخابات مع السيد أحمد لعرابة, رئيس اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد مشروع مراجعة القانون العضوي للانتخابات الذي قدم لرئيس الجمهورية تقريرا مفصلا حول مضمون ومراحل صياغة هذا القانون الهام، والسيد محمد شرفي, رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الذي قدم تقريرا عن مساهمة هيئته في إثراء مقترحات المشروع ،كما أسدى رئيس الجمهورية توجيهات للانتهاء في أقرب الآجال من إعداد مشروع هذا القانون تحضيرا للاستحقاقات الانتخابية الهامة التي تنتظر البلاد.و من ضمن تلك التوجيهات الأخذ بعين الاعتبار، في مشروع القانون الجديد الالتزام بأخلقة الحياة السياسية وإبعاد تأثير المال على المسار الانتخابي وضمان انتخابات شفافة تعبرحقا عن الإرادة الشعبية وتحدث القطيعة نهائيا مع ممارسات الماضي, تنبثق عنها مؤسسات ديمقراطية ذات مستوى ومصداقية،و قد سبق للسيد رئيس الجمهورية أن دعا إلى إبعاد المال الفاسد عن العملية الانتخابية نظرا للأضرار التي يسببها و حالة عدم الثقة بين الشعب والدولة التي يخلفها تسرب أصحاب ذلك المال ليتبوءوا مقاعد في الهيئات المنتخبة ويشغلوا مناصب عليا في الدولة بعد أن كسبوا الانتخابات بالغش والتزوير فالمال الفاسد أو الشكارة قد أصبح وسيلة سهلة يرتقي الكثيرون بفضلها سلم المسئولية ويشغلون مناصب القرار العليا و الحساسة في هرم الدولة و يحققون من ورائها الكثير من المكاسب والامتيازات تحت مسمى الفساد الذي خرج الشعب الجزائري في حراك 2019 للتنديد به و محاربته و وقف آلات و آليات نهب أموال الشعب وثروات البلاد ،و لا يختلف اثنان في أن العلاقة بين السياسة والمال هي علاقة جدلية لا يمكن تجاهلها ،و أن المال كان دائما وسيلة لوصول البعض على مناصب سياسية سواء على مستوى الأحزاب أو في الهيئات المنتخبة و في هرم السلطة ،وان الانتخابات في بلادنا تميزت بحملات انتخابية كلها وعود جميلة سرعان ما تتبخر وتتلاشى نهائيا بعد أن ينفض كرنافال و مهرجان تلك الانتخابات الكبير ولأجل ذلك انعدمت الثقة بين الشعب والدولة ،و انكسرت جسور التواصل ،و امتنع الناخبون عن التصويت كإشارة على رفضهم للتزوير وغياب الشفافية و لأجل كل هذا وجب تطهير المسار الانتخابي من ممارسات مشينة تستخدم الرشوة للوصول إلى الناخبين بعيدا عن معايير الكفاءة التي يتطلبها المنصب . انتهت لعبة الشركات إن جزائر ما بعد الحراك والانتخابات الرئاسية واستفتاء أول نوفمبر 2020 حول تعديل الدستور تفتح صفحة جديدة مع الممارسة الانتخابية والسياسة من خلال مراجعة القانون العضوي للانتخابات الذي أكد رئيس السلطة المستقلة للانتخابات السيد محمد شرفي بصدده بأنه يتضمن وسائل محاربة المال الفاسد في العملية الانتخابية معتبرا أن الفساد الانتخابي هوأم الفساد لأنه يمس شرعيةالانتخابات و الحوكمة حيث أن مشروع القانون القادم للانتخابات رصد محورين أساسيين يتمثلان في اعتماد الشفافية التامة في جميع مراحل المسار الانتخابي ،و محاربة المال الفاسد أي الشكارة مشددا على أن القانون قادر على القضاء على هذه الآفة و كشف أنه وفق القانون الجديد لا يمكن للشركات تمويل الانتخابات مهما كانت صفتها ،و أن المراقبة في إطار القانون ستكون آنية في الميدان من خلال التنسيق مع الهيئات الأخرى بما فيها الهيأة العليا لمكافحة الفساد وأن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ستدعم بجهاز جديد في هذا المجال لمكافحة الفساد . ..حتى يستعيد المواطن الثقة و بهذه المعطيات تتجلى أهمية محاربة الفساد الانتخابي المتمثل في مال الفاسد مستقبلا في الجزائر التي لطالما عانت من غياب الشفافية في الانتخابات السابقة ، ليس هذا فحسب بل إن تأثير المال الفاسد جد خطير لأنه يكرس و يدعم الفساد السياسي والاقتصادي وما ينجر عنهما من استنزاف لثروات البلاد وضياع لحقوق الشعب و تخلف وفقر وتأخر مسار التنمية ن والجزائر تحتفظ بصور حية جد سلبية لمظاهر الفساد تلك ،و قد آن الأوان لتطوي بلادنا تلك الصفحات والعقود المظلمة القاتمة لتستعيد صحتها وعافيتها و تطهر اقتصادها من آفة اقتصاد فاسد ومناخ سياسي متعفن و علاقة تواطؤ وشراكة قوية بين رجال المال والأعمال من جهة ورجال السياسة و الحكام الذين عاثوا في البلاد فسادا وأتوا على الأخضر واليابس و لم يتركوا فيها شيئا للأجيال القادمة ،ولهذا لنا أن نتفاءل و لو قليلا بمشروع قانون انتخابات يعلن حربا على المال الفاسد ،و يحقق الشفافية في المسار الانتخابي و النتائج ،و يجعل فئات واسعة من الجزائريين تستعيد ثقتها في الدولة والحكام و تقبل على مكاتب التصويت و لا تهجرها ،في ظل انحسار للفساد بكل مظاهره ووجوهه .