بعد سنة 2020 التي تميزت بالتداعيات السلبية لجائحة كوفيد-19, عادت الجزائر في سنة 2021 إلى مسار النمو والتوازنات المالية, مسجلة انطلاقة اقتصادية جديدة للبلاد. فبعد تراجع بنسبة 4,9 بالمائة في سنة 2020, سجل الناتج المحلي الخام ارتفاعا قياسيا فاق نسبة 6 بالمائة خلال الثلاثي الثاني ل2021, وهي نتائج تظهر التعافي الاقتصادي الذي تشهده البلاد خلال السنة الحالية. وتمكن الاقتصاد الجزائري من العودة للنمو بفضل النتائج الايجابية المحققة في شتى القطاعات, وعلى رأسها قطاع المحروقات الذي سجل ارتفاعا في القيمة المضافة القطاعية بنسبة 10,3 بالمائة (مقابل -10,2 بالمائة في سنة 2020). وفي هذا الإطار, تظهر الأرقام الرسمية ارتفاعا ملحوظا في صادرات المحروقات, بنسبة 60 بالمائة من حيث القيمة و12 بالمائة من حيث الحجم, فيما سجلت الصادرات خارج المحروقات, مستوى تاريخي غير مسبوق منذ الاستقلال, محققة حوالي 5 مليارات دولار (+160 بالمائة مقارنة بسنة 2020). وبالنسبة للجزائر التي لا يزال اقتصادها مرتبطا بشدة بمداخيل المحروقات, فان السنة المنقضية كانت اكثر سخاء من سنة 2020 من حيث سعر البرميل, إذ انتقل المعدل السنوي لمزيج «صحراء بلند» من 41,8 دولار الى اكثر من 65 دولار. ويعود تحسن الأسعار هذا بشكل رئيسي إلى انتعاش الاقتصاد العالمي وجهود منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها, من اجل الحفاظ على توازن السوق. وبالموازاة مع ارتفاع الصادرات, فإن الواردات قد سجلت من جانبها انخفاضا محسوسا لتصل الى 30 مليار دولار, أي نصف قيمتها قبل 10 سنوات. ويتعلق الأمر ب«انخفاض هيكلي وليس ظرفي» حسب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. كما أنها نتيجة «تعكس مستوى الفساد والتبذير الذي عرفه البلاد خلال السنوات السابقة», حسب تصريحات الوزير الاول, وزير المالية, ايمن بن عبد الرحمن. وبفضل تجسيد سياسة ترشيد الواردات, تمكنت البلاد بعد سنوات من العجز, من تسجيل فائض في الميزان التجاري بأكثر من مليار دولار في نهاية نوفمبر وهو رصيد إيجابي مرشح لأن يتجاوز قيمة 2 مليار دولار في نهاية السنة. وعليه, فإن مداخيل صادرات البلاد قد سمحت بتغطية تكاليف الواردات في 2021 دون اللجوء إلى احتياطات الصرف. وبالنظر لهذه النتائج, فإن عجز ميزان المدفوعات لن يتجاوز 5 مليارات دولار في2021 مقابل 16 مليار في 2020, وهي أرقام كانت إلى غاية وقت قريب «بمثابة حلم», حسب تعبير الوزر الأول. غير أن الجائحة كانت له رغم ذلك أثار ملموسة على التضخم, الذي ارتفع إلى 5بالمائة بنهاية السنة (مقابل 2,4 بالمائة في 2020), بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية على المستوى الدولي وتكاليف اللوجيستيك وهو ما دفع بالأسعار إلى الارتفاع محليا. كما زادت الأزمة الصحية التي عرفتها البلاد منذ الثلاثي الاول من 2020 –على غرار بقية العالم- من تفاقم عجز الميزانية جراء ارتفاع النفقات الموجهة لمواجهة الاثار المالية للازمة. لكن وعكس بعض السيناريوهات المتشائمة, فان الجزائر لم تلجأ إلى طبع الأوراق المالية ولا إلى الاستدانة الخارجية, حيث تم تمويل الخزينة بشكل كلي من خلال اللجوء إلى آليات الخزينة وصندوق ضبط الإيرادات. ويعتبر مجلس إدارة صندوق النقد الدولي في هذا الصدد أن «التصدي السريع للسلطات الجزائرية, قد سمح بالحد من الاثار الصحية والاجتماعية للازمة». وأكد مجلس إدارة الصندوق في ختام مشاوراته مع الجزائر لسنة 2021, أن 'الاقتصاد الجزائري بصدد التعافي التدريجي من الصدمتين التي تعرض لهما معا في أن واحد خلال 2020, وهما وباء كوفيد- 19 وانخفاض أسعار النفط». وفضلا عن الإصلاحات الهيكلية وإجراءات التصدي للأزمة الصحية, فان سنة 2021 قد تميزت أيضا بتعزيز الترسانة القانونية المسيرة للاقتصاد, لاسيما مع بداية السريان الفعلي للقانون الجديد للمحروقات, وإعداد قانون جديد للاستثمارات والمصادقة على قانون يجرم المضاربة.