لا ندري إن كانت الصدفة هي التي جعلت الانتخابات المحلية المسبقة العام الماضي و انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة هذا العام تتزامنان مع ذكريين لمبايعة الأمير , الأولى التي جرت يوم 27 نوفمبر 1832 و الثانية يوم 4 فبراير 1833 , أم أن تاريخ الأمير عبد القادر المزدحم بالأحداث و المآثر , هو الذي يفرض هذا التزامن بحيث ما من تاريخ يختار لأي حدث حاليا , إلا و كان له ما يقابله في السجل التاريخي لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة , إذ يكفي التدقيق في ثنايا هذا السجل لاستنتاج الدروس و العبر التي تنير درب كل من يعتبر بدروس التاريخ . و كلتا الذكريين مرتا مرور الكرام كما تعودنا وصف المحطات التاريخية لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة, و العذر هذه المرة يوفره الانشغال بالانتخابات في الحالتين التي غطت أحداثها على كل ما سواها من شؤون حياة الناس في مشارق الجزائر و مغاربها. و التساؤل الذي يؤرق الروح قبل الجسم , هو كيف , تجد الانتخابات, كل هذا التجنيد للبشر و المال و الوسائل المادية , لنشر و نقل أخبارها و مستجداتها فور وقوعها , و استرجاع تاريخ و نتائج ما سبقها من الانتخابات قديمها و حديثها , و لا تجد في المقابل أحداث تاريخية من يخصها بالتفاتة و لو بربطها بما يعيشه الناس من أجواء انتخابية , فيخصصوا بعض أوقاتهم في التأمل في سيرة شخصياتهم الوطنية و مراجعة مواقفهم في مواجهة ما اعترض حياتهم من محن و فتن دفاعا عن الدين والوطن ؟. فتاريخ الأمير عبد القادر لم يعد إرثا لشخصه أو عائلته , و لا لمسقط رأسه أو وطنه , و إنما أصبح إرثا عالميا , و سفيرا أزليا للتسامح الديني و السلام بين الشعوب , وذلك بفضل نخب «أجنبية للأسف» تقود قطار الثقافة العالمي , و اكتشفت القيمة العظيمة لشخصية الأمير كقدوة يمكن الترويج لها بين شعوب العالم أجمع , و في مقدمة هذه النخب , النخب الأمريكية التي اكتشفت هذا المنجم الثري بالتجارب الحياتية و راحت تسبر أغواره لخدمة توجهاتهم و مصالحهم المادية والمعنوية في العالم –بطبيعة الحال-. ينبغي الاعتراف أننا لم نكن نتوقع أن تحظى المناسبات التاريخية الخاصة بالأمير بأي اهتمام محليا أو وطنيا , بدليل الملتقيات التي كانت تنظم من حين لآخر هنا وهناك في ربوع الوطن , دون أن يكون لها الصدى الذي يليق بشخصية الأمير عبد القادر, و بالتالي فإن تزامن الذكريين ؛«المبايعة الأولى و الثانية « مع موعدين انتخابيين , فإنه تزامن لا يشذ عن العادة , و إنما يكرس قلة الاهتمام بالمناسبات التاريخية , في وقت تبادر القيادة السياسية بفتح قناة خاصة بالتاريخ , نأمل أن يستعيد الأمير عبد القادر و غيره من رموز التاريخ الجزائري ,عبرها بعض التقدير الذي يستحقونه . و من دواعي الأسف , أن تمر 139 سنة عن وفاة الأمير , و لم نستقرئ من سيرته ,معالم المنهجية التي اعتمدها لتوحيد الجزائريين في وجه المحتلين , منهجية أصبحنا أكثر حاجة إليها لمواجهة مشاكل سبق و أن واجه الأمير ما هو أكثر تعقيدا منها؛ إذ يكفي توظيف تاريخنا التوظيف الصحيح حتى لا تخفي مناسبةٌ مناسبةً أهم .