جميل جدا أن يرى المشاهد الجزائري شهادة حية من جلاده المستعمر الفرنسي بعد خمسين سنة من استقلال الجزائر وربما حان الوقت للوقوف وجها لوجه أمام التاريخ بدون طابوهات أو صمت وهذا من خلال الفيلم الوثائقي الذي قدمته القناة الفرنسية الثانية سهرة ليلة أول أمس وحمل لأول صورا من أرشيف الجيش الفرنسي والتلفزة الفرنسية والانجليزية والجزائرية والأوروبية وصورا لهواة كلها تعبر عن التمزق الذي حملته حرب بين دولتين الأولى مستعمرة والأخرى قد استعمرت وكانت تنشد حريتها واستقلالها. وهذا الفيلم الوثائقي من إعداد »كابريال بومين« و»بنجامين ستورا« وإخراج »بومين كابريال« وبصوت »كاد ميراد« الذي روى التسلسل الوثائقي. قدم هذا الفيلم الوثائقي في جزئين من 55 دقيقة وكان متبوعا بطاولة مستديرة لمناقشة أحداث الفيلم الوثائقي. والمتابع للأحداث التي جاءت في »حرب الجزائر، التمزق« نجد أن البداية كان مع انطلاق أول شرارة حرب التحرير الجزائرية حيث قررت مجموعة خوض غمار التحرر من قبل مجموعة من الرجال غير معروفين عرفت بجبهة التحرير الوطنية شرعت في عدة عمليات ضد الوجود الفرنسي في الجزائر مما يجعل »بيار منداس« رئيس مجلس فرنسا وفرانسوا ميتران وزير الداخلية يقرران بعث تعزيزات أمنية من الشرطة لكن هذه الفترة كانت لعالم التحرر الدولي مما يجعل جبهة الافلان في 1955 تشارك في باندوغ بأندونيسيا ويتولد عنها ميلاد العالم الثالث ويشتد عود الثورة الجزائرية في العديد من المناطق التي يتواجد الاوروبيون ولأول مرة تعرض المسألة الجزائرية في الأممالمتحدة مما يجعل فرنسا تبعث بالجنود الفرنسيين الشباب الذين يذهبون إلى أرض يجهلون الكثير عنها ويتلقون أمامهم الموت من قبل الافلان الذي يضرب بيد من حديد. وخلال صيف 1956 كان مؤتمر الصومام الذي تقرر فيه نقل الثورة إلى المدن وكانت معركة الجزائر مع ياسف سعدي انتهت بالقبض عليه وعلى عدة وجود ثورية جزائرية وكانت مشاهد القبض والتعليق على قوة نساء الجزائر اللواتي كن يضعن القنابل في الأماكن العامة وخلفت العديد من ضحايا المستعمر. كما تحدث الفيلم الوثائقي عن عملية القبض على أحمد بن بلة وزملائه وعن أول من أعدم بالمقصلة وكان أحمد زبانة الذي اتخذ رمزا من رموز الثورة وشهدائها حسب المعلق وخلال هذه الفترة ظهرت أزمة سياسية كبيرة في فرنسا وبدأ إسم الجنرال ديغول يتداول في سنة 1958 أما في الجزء الثاني من الفيلم الوثائقي »حرب الجزائر، التمزق« تحدث عن المظاهرات التي هزت الحكومة الفرنسية وكان تصريح ديغول بعبارته الشهيرة »لقد فهمتكم« وبدأ في الاصلاحات في سبتمبر 1958 ويقترح عدة مسائل ترفضها الافلان مما يجعل رئيس الجمهورية يطلق »مخطط شال« العسكري وكانت نتيجته قتل الآلاف من الجزائريين والعديد من الذين ضعفوا فاختاروا أن يصبحوا حركى وخونة للأفلان وبعد ذلك كانت المنظمة السرية (OAS) (أو.أ.س) ومفاوضات إيفيان مستمرة لتنتهي فيما بعد باستقلال الجزائر. الشيء الأكيد أن الصور والمشاهد التي جاءت في فيلم »حرب الجزائر، التمزق« قدم بصورة موضوعية بنسبة كبيرة لأن بنجامين ستورا كان من المدافعين عن الثورة الجزائرية وهي نقطة تحسب للجزائر الى جانب نظرته الموضوعية التاريخية لحرب الجزائر وبقائها تحت الراية الاستعمارية لفترة طويلة فإن تحليله جاء أقرب إلى الحقيقة التي عاشها شعبان، لكن لكل واحد نظرته، ربما الشيء الملاحظ من متابعة هذا الفيلم الوثائقي أنه ولأول مرة بدأت القنوات الفرنسية تخرج من الطابوهات الممنوعة عن الثورة الجزائرية وما جرى في سنوات الحرب التي كانت جرحا عميقا يصعب الحديث عنه إلا أن الاحتفالية بمرور خمسين سنة على استقلال الجزائر جعل القناة الفرنسية الخامسة كذلك تخصص جانبا لهذه الاحتفالية وهذا يدل على أن عهدا جديدا من التفهم بدأ لإعادة الاعتبار لتاريخ أراده جلادوه أن يطمس وأن يبقى في عالم الصمت والطابوهات. والشيء الذي شدّ إنتباه المشاهد أنه لأول مرة على القناة الفرنسية الثانية تعرض الحرب الجزائرية من سنة 1954 إلى غاية 1962 بصور أرشيفية تم تلوينها بطريقة متميزة وذكر فيها العديد من رموز الثورة الجزائرية رغم أن الكثير من المشاهد جعلت الجلاد ضحية مثل الجنود الفرنسيين الذين جاءوا إلى الجزائر وماتوا في كمين من إمضاء جبهة التحرير الوطني. يبقى الفيلم الوثائقي عبارة عن وقائع تاريخية حدثت ورسخت في الذاكرة الجماعية بين فرنساوالجزائر وربما حان الوقت لاستنطاق الأرشيف بكل موضوعية بعيدا عن الإلغاء والإقصاء.