تحظى المساجد في مجتمعنا بمكانة جد خاصة فهي تلك القلاع أو الحصون المنيعة التي مازالت تحفظ هويتنا الإسلامية ليس فقط في تأدية العبادات اليومية بل الأمر يتعدى ذلك إلى أشياء أخرى كالتعليم أو التدريس الذي كان دورا مميزا للمسجد منذ قدم الزمان و بالرغم من أن هذا الدور تلاشى أو نقص بفعل تطور النظام التعليمي بظهور مؤسسات تعليمية أكثر حداثة و تطور على النمط الغربي إلا أن ذلك لم يمحوه نهائيا فمازالت اغلب المساجد المنتشرة عبر التراب الوطني تحافظ على هذه الميزة وهي تقديم دروس للنشء. هذا وكانت البداية منذ العهد العثماني حيث كانت المدارس القرآنية المتواجدة عبر المساجد أو كما كانت تعرف بالكتاتيب سببا في نشر تعاليم الدين ومختلف العلوم وبذلك كانت تقوم بالقضاء ومحاربة الجهل والأمية في أوساط المجتمع ولهذه الأسباب كان أفراد المجتمع بجميع فئاتهم يكنون تقديرا واحتراما خاصا للمعلم أو شيخ الكتاب عرفانا لما يقدمه من خدمات وعطاءات جليلة تنير حياتهم. وقد حافظ المسجد على مكانته خلال الغزو الاستعماري بل تعزز أكثر فالبرغم من كل المحاولات التي بذلتها الدولة المستعمرة للحد من دور المساجد و المدارس القرآنية و ابعدا الناس عنها إلا أن ذلك لم يزد الأفراد سوى تعلقا أكثر بها حيث كان ترفض اغلب الأسر الجزائرية أن يتوجه أطفالها إلى المدارس الحديثة التي تم إنشائها بينما كانت تفضل توجههم إلى الكتاب حتى تحافظ بذلك على هويتهم و هكذا كان دور المساجد بارزا خلال هذه الفترة حيث تخرج منه المئات من الثوار و الأبطال الذين ساهموا في نيل الحرية والاستقلال بعد أن تلقوا مبادئهم الأساسية عن حب الوطن وضرورة الدفاع عليه في هذه البيوت. توالت الأجيال بعد ذلك متوارثة تعلقها بهذه المدارس فحتى بعد عصرنة قطاع التعليم و إنشاء مؤسسات تعليمية مختلفة لجميع الأطوار بقيت المدرسة القرآنية أول مدرسة يقصدها التلميذ منذ نعومة أظافره فعند بلوغه سن الثلاث أو الأربع سنوات و بعد أن يحسن التكلم يأخذ أولياؤه إلى مسجد الحي هناك يلتقي بمعلمه ورفقائه و يأخذ المبادئ الأولى في تعليمه كتعلم الحروف و الأعداد و الكتابة فضلا عن تعلم وحفظ بعض الآيات والسور القرآنية إلى جانب الأناشيد ببرامج محددة شبيهة أو متطابقة بالتقريب لبرامج أقسام التحضيري كما أن المعلمين المتواجدين في هذه المدارس لا يقلون كفاءة عن معلمي باقي المدارس النظامية هذا كله يشجع الأولياء على توجيه فلذات أكبادهم إلى المساجد بدل دور الحضانة وأقسام التحضيري وحتى بالنسبة للأطفال الأكبر سنا ممن قد التحقوا بمقاعد الدراسة يبقى توجههم إلى المساجد مستمرا ولا ينقطع خاصة أيام العطل فاغلب المساجد تفتح أبوابها خصيصا لاستقبال هؤلاء الأطفال بعد انتهاء الموسم الدراسي مباشرة ذلك بجرد قائمة خاصة لمن يودون الالتحاق وكما هو معروف فان هذه العملية عادة متوارثة في مجتمعنا فنجد العديد من العائلات يتباهون بتعليم أبنائهم في المساجد القانية وبحفظهم لآيات الذكر الحكيم حتى انه ينشئ نوع من التنافس بينهم من اجل ذلك. متيقنين من الفوائد التي سيحصل عليها الطفل من ارتياده على هذه المدرسة كما أنهم بذلك سيكونون أكثر اطمئنانا عليه فلا يوجد مكان امن أحسن من بيوت الله حتى تكون ملاذا أمنا يكفيهم شتى المخاطر والآفات المتواجدة خارجا .