مطلع عام 1978 إلتحقت بصحيفة «الجمهورية» والفضل في ذلك يعود للمدير عبد الحميد سقاي مدير الجريدة حينها وبداية أود القول أنني لم أستعر منذ اليوم الأول بأية أحاسيس تحفظ من قبل الزملاء الصحفيين هناك وإن كانت بعض مظاهر الفضول والتساؤل ، ربما القضية الوحيدة وبالأحرى قضيتان كانتا تعكران نوعا ما أجواء العمل في الجريدة وكل محيطها وأعني هنا ما يعرف آنذاك بالصراع بين المعربين و المفرنسين والمسألة الثانية تتعلق بالإمكانيات المالية والمادية التي كانت الصحيفة تعاني منها ذلك أن المداخيل كانت شحيحة فكمية الإشهار الذي تحتكر الشركة الوطنية للنشر والإشهار كانت لاتكفي حتى لدفع الأجور والمبيعات كانت ضعيفة والتوزيع كان يعاني الخلل في شبكته وأيضا هوتوزيع جهوي فقط. رغم هذه الحالة كانت المسألة تشكل نوعا من تحدي شخصي وأيضا تحد من قبل كل العاملين في الجريدة وأساسا الصحفيين ذلك أن الجريدة قبل تعريبها كانت رائجة وربما كانت نموذجا للصحافة الوطنية وأتذكر أنه في سبعينات القرن الماضي كان الكثيرين من القراء ينتظرونها في الصباح الباكر بالعاصمة وكانت تزاحم يومية «المجاهد» ذلك أن الجرأة وخرق «الطابوهات» التي كانت تمتاز بها منصتها أصداء واسعة وأكيد سببت لمسؤوليها متاعب ومشاكل وكان الزميل محمد رزوق مديرها يواجه ذلك وعلى فكرة فإن هذا الصحفي الفذ كان من أفضل مصممي ومخرجي الجرائد سواء في شكل الصفحة الأولى أو في إنتقاء العناوين . في حدود الإمكانيات المتاحة ورغم ضغوطات شتى نتحلى أساسا بجو العمل الصحفي لفريق شاب ولكن أيضا مؤطرا بالقليل من حكماء «الجمهورية» حاولت بداية إزالة اللبس أو النظرة السائدة المتعلقة بمسألة «لغة»الصحيفة حيث كانت هناك قناعة عامة لدى الشارع المحلي وأيضا الوطني أن تعريب الجريدة هو الذي أدى إلى ضعف مستواها وهو موقف سطحي وقد تكون فيه بعض الحقيقة من زاوية نقص التكوين والتجربة لدى الفريق الجديد ليس إلا: لم تمر سنة عن إلتحاقي بالجمهورية كرئيس تحرير حتى تحملت مسؤولية إدارتها بالوكالة إثر مغادرة السيد عبد الحميد سقاي وكانت أول مهمة وأعتقد صادقا أنها أتت في مكانها أقوم بها هي تنقية الأجواء الداخلية السائدة حينئد على مستوى التحرير وأعني هنا إعادة إدماج عدد كبير من الصحفيين الذين كانوا يكتبون بالفرنسية وتم تجميد نشاطهم بعد تعربها والحق أقول أنهم كلهم رحبوا بالبادرة واستأنفوا النشاط والكثير منهم انتقل إلى الكتابة بالعربية وإن كان المجال هنا لايتسع لذكر كل أسماءهم فإن ذلك لايمنعني من التنويه بروح الصداقة والتعاون الذي كان سائدا وإذا كان البعض منهم غادر الجريدة بعد ذلك وبعضهم هاجر فإن بعضهم انتقل إلى رحمة الله وتلك سنة الحياة كما انتقل أيضا بعض من الجيل الثاني جيل «الجمهورية» المعربة فللجميع الرحمة . المسألة الثانية أو القضية الثانية كانت تتمثل في نقص الإشهار والإعلانات وكما قلت سابقا فإن القوانين كانت تحصر هذا النشاط في الشركة الوطنية للنشر والإشهار وبإعتبار أن المسألة هنا تتعلق بالاحتكار وهذه المؤسسة الوحيدة في السوق نشاطها مكتبي أساسا كانت الفكرة أن تقوم الجريدة بالبحث عن الإشهار بنفسها متجاوزة بذلك هذا الإشكال القانوني وسعينا مع بعض الإطارات فيها إلى خلق مصلحة لهذا الغرض وأود هنا حتى لا أنسى الناس أشياءهم أن أشيد بجهود السيد مكي بزغود الذي هو أحد المصورين المخضرمين منذعهد «صدى وهران» والذي تولى هذه المهمة بنجاح رغم العوائق والصعوبات . ولمجابهة الاعتراضات القانونية التي كانت المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار تواجهنا بها وكانت لي شخصيا عدة لقاءات مع المديرين المتعاقبين عليها وكلهم زملاء بداية من السيد قدور بلقاسم ثم الزميل مدني حواس ثم الصديق محمد روراوة . وتوصلنا إلى حل ضمني يتمثل في الآتي إذا كانت المسألة بالنسبة لكم هي العشرين في المائة التي تتلقونها نتيجة هذا الإحتكار فسنمنحها لكم من الإشهار والإعلانات الخاصة التي نأتي بها بوسائلنا الخاصة ودعونا نعمل وهكذا كان الحال ...! قضايا كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، فقط وهذا ليس بقصد الرضى عن النفس إنما بقصد تأكيد حقيقة أنني عندما غادرت «الجمهورية» وصل توزيعها إلى حوالي سبعين ألف نسخة يوميا، وهو رقم إن يبدو ضئيلا في وضعنا اليوم، فهو معلم آنذاك باعتبار التوزيع الجهوي فقط، وأيضا ضعف شبكته ونقص الوسائل، كما أن الجريدة استعادت مصداقيتها ليس فقط محليا وجهويا، وإنما وطنيا من خلال ملحقها الأسبوعي «النادي الأدبي» الذي كان يشرف عليه الزميل بلقاسم بن عبد الله. تلكم بعض من وقائع تجربة وكل سنة و«الجمهورية» في ازدهار.