عرف سكان قرية بني عشير ببلدية بني سنوس هجرة جماعية نحو المغرب في الأسبوع الأول من شهر مارس سنة 1956 وذلك فرارا من المعمر الفرنسي الذي شن هجوما وحشيا على المنطقة بالتقتيل و الذبح و التخريب و التجويع و هذا بسبب ورود معلومات للبوليس أن هؤلاء السكان يمونون خلايا المجاهدين بالأكل و الشراب ممّا جعل المعمّر يفصل في عملية قصف كل ماهو متحرك و جامد بالقرية و المداشر القريبة منها بالمدفعيات الثقيلة و التي اعترض دخولها الأهالي بغلق المسالك الجبلية و القريبة من الوديان بمنطقة "الحارك" التي كانت بوابة لبني عشير بأمر من المسبلين لتأجيل تدخل همجية البوليس حيث تعطلت فعلا الآليات الحربية للمشاة التي تعد بالعشرات و هو ما أجّج غضب السلطات الفرنسية إتجاه عصيان السكان فقاموا بسد منافذ القرية و تم الاتصال بالجيش المتواجد بسبدو و مغنية من رجال اللفيف الأجنبي و الكومندوس وقصف جميع النواحي بالطائرات التي أرسلت من مراكز الحرب بالقطاعين المذكورين وصعّدت من عدد الجرائم المقترفة في حق الأبرياء و العزل برميهم بالرصاص و الغازات السامة التي أدت للتقتيل الجماعي و التشريد و حرق كل شيئ وهو ما دفع الأهالي لإخلاء مساكنهم من أكواخ و كهوف و خيام دمّرت عن آخرها أمام أّعينهم وكذا المساس بأعراض النساء و الفتيات و ليس مخافة من الاستشهاد لهذا صمّم الجميع شد الّرّحال عبر الحدود المغربية الجزائرية من خلال شقّ الجبال وهم "حفاة و عراة" ومع هذا قطعوا مسافات طويلة في ليالي شتوية قارسة بالبرد و الصقيع من أجل حماية شرف العائلات لأن نية المستعمر كانت دنيئة و قادر على فعل أي شيئ يعكس غبن الجزائري بهذه المنطقة و ماجاورها من مداشر إعتبرت الاعتداء على شرفها خدشا لرأسمالها. إن مواطني قرية بني عشير المقدرين بالمئات آنذاك قرروا هجر بيوتهم لأن فرنسا حدّدت اليوم الثاني لقنبلتهم بالإجماع للانتقام منهم وهددتهم بأنها ستحضر قوة كبيرة لمسح هذا الشعب من على أرضهم كون فترة اليوم الأول لم تكفها لمواصلة إطلاق النار على الإنسان و البهائم لضيق المدة الزمنية بين العصر و المغرب لذا اتفق الجميع على المغادرة ليلا و فعلا وقع الدمار وهم يمشون في "الظلمة الحالكة "لم يعرفوا الراحة و لا التريث " كان يهمهم الحزم و العزم على ترك المكان و التفكير في زمن المستقبل الذي أمامهم و الجزائر تحت وطأة والاستعمار وقد وصل العزّل للشريط الحدودي و تفرّقوا فرادى و جماعات و تشتتوا بمدن المغرب وهي على التوالي" سيدي بوبكر" و" تويسيت" و"وجدة " ثلاثية جغرافية ألمت هؤلاء و تعاشروا مع أشقائهم المغاربة في السكن و العمل و البعض منهم اعتمدوا على أنفسهم و عاشوا لمدة 7 سنوات منذ 1956 إلى 1962 و أثناء هذه المدة وجدوا مساعدة كبيرة ضمنتها لهم قيادة حزب جبهة التحرير الوطني التي اتخذت من البلد المجاور مركزا لتمرير مختلف الأسلحة و الذخائر للمناطق الغربية و بما أن الجبهة كانت تتحسّس أخبار الشعب من جهة و مكائد فرنسا من جهة آخرى فقد عملت على توفير المأكل و الملبس بدعم من منظمة الهلال الأحمر و فسحت للرجال من فئة الشباب من المهاجرين فرصة التكوين في السلاح للمشاركة بالثورة التحريرية و تصعيد عدد المناضلين في الحدود كما قامت الجبهة بفكّ الأمية عن أطفال" قرية بني عشير " و أدمجتهم مع المغاربة لمزاولة تعليمهم حتى أنهم أصبحوا من إطارات التربية و الأمن و قطاعات آخرى تروي سنوات الغبن و المعاناة في بداية مشوار تشهد له التضاريس الجبلية التي مرّت بها العائلات المهاجرة هربا من المستعمر و طمعا في الكفاح المسلح و عادوا مباشرة بعد بزوغ فجر الإستقلال شهر جويلية 1962 . *******حرص الآهالي على حفظ أعراض النساء من خبث المعمر و ممّن ظل يراوح بلدته إبان الفترة الإستعمارية و لم يهاجر مع جيرانهم من بني عشير سكان دشرة أولاد بوشامة المطلة على وادي القرية المشار لها بسبب ظروفهم الخاصة التي حالت دون الفرار من براثن العدو الغاشم كون معظمهم كانوا يملكون الدواب و المواشي و تعذر عليم الالتحاق بهم و قد سردت " المجاهدة الحاجة بن حلي فطومة " تلك الأحداث التاريخية التي تحتفظ بها ذاكرتها خصوصا ما تعلق" بحفظ العرض" أن قاطني الدشرة ازدادوا فطنة بعدما هجر سكان بني عشير إذ كلّما سمعوا عن دورية فرنسية تجوب منطقتهم كانت النسوة وبناتهن يمسحن بوجوههن بالطلاء الأسود الناتج عن دخان "الكانون والأواني الفخارية المخصصة للطبخ " و تشعث شعورهن لتكوننّ في منظر قبيح و يلبسن ثيابا رثة ومتسخة لإخفاء جمالهن وإبعاد طمع الجنود الفرنسيين" " وقالت: مرة أنا في منزلي جاءني مرسل من خلية المجاهدين قائلا لها" نريد عقد إجتماع طارئ بسرعة فقط و طالبوا منها الخروج إلي جهة المطبخ و أقفلوا باب الغرفة بأعمدة خشبية المعروفة محليا"الركّالة" ودفعها فضول النضال لتتنصّت على ما يتفوهون به فإذا بأذنها تلتقط هذه التوصية( من وجدتموها أي نساء المنطقة يتداولن الأخبار و توشي بتحركات المجاهدين أثناء نزولهم للدشرة ليلا يقطع جزءا من لسانهن عقابا لهن ومن أخلت بأعراف المجتمع العفيف و_ زنت_ تحلق رؤوسهن " ثم غادر المجتمعون من بعض أعضاء الخلية وهم يحرصون على التقيد بتنفيذ الأمر بحذافره و أضافت هذه المجاهدة أنه بعد القصف الذي شهدته بني عشير و رحيل قاطنيها شدّت الأنظار لأولاد بوشامة لأن إدارة فرنسا تموقعت "بدار عياد" وتم تسييج الإقليم بالأسلاك و فرض الحراسة التامة بتوزيع جنودها لمراقبة الجبال و حضر التجول ما دفع البوليس يتردد عليهم مرارا و يزرع فيهم الخوف و الرعب لهذا كانوا يهابون من أفعالهم و تصرفاتهم و فكّر المواطنون بالخروج من الدّشرة على الأقل تغيير المكان لمنطقة سيدي العربي التابعة لبني سنوس و الواقعة بمقربة من الحدود و قالت "الحاجة فطومة" أن رحيلهم لذات المنطقة جاءت بناء على رخصة مرور منحها لهم ضابط سامي في الجيش الفرنسي كان بمركز قرية الخميس وهذا عندما ذهبت مع بعض النسوة يشكون حالهم "لقد حرقتم لنا منازلنا و شردتم أزواجنا بالتعذيب و السجن و حبسهم بسبدو"دار لعذاب" و بمغنية " و أتلفتم لنا المحاصيل الزراعية التي كنا نقتات منها و لم يبق لنا شيئ و نريد البحث عن جهة آخرى نرعى فيها و نزرع الأرض و بعد هذه الشكوى غادرنا "أولاد بوشامة "بإتجاه" سيدي العربي " أين وجدنا أحد المجاهدين يقوم بتهجير الفتيات للمغرب خوفا من هتك شرفهن و تأكدنا أن ثقتنا في فرنسا (عمياء) وأصر سكان اولاد بوشامة الذين تركوا "الجمل بما حمل في منطقتهم" أن يتحدوا شعبا واحدا مع قاطني سيدي العربي و إخلاص النية في الجهاد حتى ولو تطلبت الحاجة الاعتماد على بعض الظواهر الاجتماعية كالعادات الحميدة لمساعدة الثوار عن طريق إحيائها و جلب انتباه البوليس كأنها عبارة عن"لعبة" لتمويههم بهدف جمع المؤونة منها" عرفة"(بفتح حرف العين و سكون الراء) و هذا التقليد يقام قبل حلول عيد الأضحى بعشرين يوما بطلب الدقيق و الحبوب الجافة كالشعير و القمح اللين و الصلب والتين والمكسرات و حليب البقر و مشتقاته و العجائن و خبز الشعير و كل ما يدخل في التغذية من منزل لآخر لغاية جمع مقدار كبير من هذه المواد لحين توزيعها على خلايا المجاهدين بعد تأدية مقطع من المواّل الغنائي بصوت مرتفع وهن يزرن البيوت بترديده ونذكر جزء منه "يا عارفة مباركة ميمونة عرفة أعطيني شوي(قليل) الله يعطيك الخير و لا نمشي رفدوا ستاركم راه لخير جالكم يالطاوس كانشي خبار............" وهكذا تلملم الطلبات و تحشد في منزل معيّن" ويطهى ما يستحق ذلك و يجهز لنقله للجبال . و أردفت ذات المرأة التي يشارف عمرها الثمانين سنة "تم إحياء أيضا وهم على مستوى أولاد بوشامة نسج الحصير التي فتحت فيها باب "الطلب و العرض" و سوّقت عبر شتى المناطق بتلمسان و خارجها و كانت عائداتها المالية تقسم مع المسبّل كتضامن بين العائلات. و روت لنا أنهم كلما سمعوا عن قيادة فرعية من الثوار تنزل إلى الدشرة ينحرون عنزة أو خروف ومرة قال لهم المجاهد "بن سعد"(إسمه الحقيقي بوقنادل رحمه الله) "لانريد الذبائح بل تفقدوا الأرملة و المحتاج". ****أخي أحمد قذف مدفعية العدو و فجّرها***** كما يجب أن يعرف الرأي العام أن أخي المجاهد أحمد بن حلي تغمده الله تعالى برحمته هو المتسبب في تعطيل و تفجير المدفعية الرشاشة التابعة للجيش الفرنسي التي لا تزال بمكانها منذ ما يزيد عن ال58 عاما و تعود قصتها إلى ذهابه لحرث وبذر مساحة أرضية بمنطقة أنقاد مع صديقه بلقاسم الزايري و أثناء حصار القي القبض عليه وتم زجّه بسجن مغنية وبعد افراج عليه قصد البيت الأسري ثم خبأ بالمسجد ليعود ثانية للناحية الحدودية للمشاركة في عملية فدائية " بجهة لمشاميش ما بين بني سنوس و بني بوسعيد و التي تشترك جبالها مع أدغال المغرب أين فجّر آلية السلاح و لقّب"بأحمد الجندي" فما يجب أن يعلمه الجيل الصاعد حسبها أن الريف لعب دورا رياديا إبان حرب التحرير و معركة بوحمامة المطموسة ببني عشير واحدة من النضال بدون سلاح فقد شارك فيها ذوي الوسائل التقليدية بواسطة _آلة الشاقور_ و عدد شهداء يفوقون السبعة أشخاص منهم عبد رحمان توهامي بلعوط بلقاسم و حبتيتين عبد القادر و غزري علي الحاسي و بودادي علي هذا الأخير سقط على حافة الواد إلى أن تخمّر بمائه و شرب السكان منه لمدة خمسة عشرة و هم لا يعلمون بمكان قتله و هلم جرّ ممن أهدوا أنفسهم _لتحياالجزائر_ و المطمورة التي تحويهم تترجم ماضيهم الأليم. وماذاعن الإحتفال بإسترجاع السيادة و الحرية" يا إبنتي "لقد طالب المجاهدون من نسوة المنطقة بإلتقاط حبات الرصاص الصالحة من الجبال و التي قام برميها أفرد البوليس الفرنسي عندما تم الإعلان عن انهزامهم و فوز الجزائر ونيلها للإستقلال وفعلا جمعن كميات هائلة في ظرف ثلاثة أيام لأن هذه الفئة قالت"الإستقلال في اوله و فرنسا لم تخرج بعد من أرض الوطن لأنها لم تستوعب ماقامت به ضد شعب ضعيف الإمكانيات و في النهاية ينزل عليها خبر الإستقلال كالصاعقة لهذا عليهم تنقية أثر خصلتها العدوانية " و تتذكر ماقالوه ثلة الثوار في هذا اليوم الموعود_ياخواني سامحونا و لا نجهر كثير فالقلوب لا تزال مجروحة و الله يخلف عليكم و بارك فيكم" " وختمت خالتي فطومة قولها بهذه الأبيات من الأغنية الثورية الشعبية : لا تخافو و لا تقولوا راندينا مازال القوة و السلاح جديد" لوكان يبقى غير الشطب و القندول مانسنييش (لا أوقّع) مع ديغول" "لعوين نفوتو ما بين السلوكا(السلك) لوكان فرنسا تدير حيطان السيما(الإسمنت)". *****نساء أولاد بوشامة يتبرعن للثوار بالحُلي******* أما المجاهد عمي علي مجاطي صاحب التسعين سنة الذي يقطن بقرية بني عشير فقد شهد شهادة حية أن بعد هجرة سكان المنطقة التي يحيا فيها حاليا ، كان يسكن بأولاد يوسف القريبة من أولاد بوشامة بخطوات والتي عرفت نضالا نسائيا لا مثيل له، بحيث تبرّعت الزوجات بحلي الفضة عبارة عن قطع دائرية فضية و ذهبية " للثوار" رغم الظروف الإجتماعية الكارثية بالمجاعة المدقعة إلا أنهن فضلن الوطنية على إعالة أولادهن بما يحتاجونه في فترة عصيبة و أبائهم بالسجون بمراكز العذاب ببني بهدل و سبدو و مغنية و تلمسان و التي اختلفت أحكامهم من العام و نصف إلى الثلاثة سنوات و مع هذا لم يذخرن الجهد و المال لأجل الحرية فهذه المساعدات حفزتهن على محاربة الفرنسيين بطريقة غير مباشرة بغية طردهم من الأرض خصوصا و أن أولياء أمرهم عاملوهم مثل الدواب في ربطهم و جرّهم بدون شفقة عام 1957 سنة و التي تضاعف فيها ويلات العذاب بعد مغادرة بنو عشير للمغرب بصفتهم أفلتوا من عقاب السلطات الفرنسية وصبّت حقدها على سكان الدشرة المعنية . لاأخفيكم أن الفئة المناضلة إطمانت كثيرا للقرار الذي طبقّته الشريحة المهاجرة التي قطعت جبال تبركيت وتيطاوين و مورقين للوصول للمملكة "أولا فروا بجلدهم لأن القرية حرقت و إشتعل فتيلها بالمتفجرات وثانيا تقلصت المراقبة على تلك الناحية و نجحت عمليات التموين التي إتسعت رقعتها ونفذت عدة مهمات خاصة ليلة رأس العام كان فيه عناصرالجيش سكارى ومخمورين يتلذذون بكأس النبيذ فقتل العديد منهم و اخلي سبيل المجاهدين المسجونين و التحقوا بإخوانهم للعمل الفدائي الذي عاهدوا فيه احمد بن بلة خلال زيارته لمنطقة اولاد موسى و التباحث في شأن حرب التحرير مع حسين قديري سنة 1950 .