بمجرد أن تدخل خان الخليلي يتناهى إلى الأسماع عبارات الترحيب المصرية خفيفة الظل، وكلمات أولاد البلد المرحبة تدعو الزائرات والزائرين للفرجة، "واللي مايشتري يتفرج"، " إتفضّلي يا هانم" ، " عندنا حجات حتفرّحي بهم الاولاد والحبايب" "مصر نورت" لنرد بدورنا "مصر منوره بأهلها" ليبدأ في عرض ما لديه من بضائع، وكلماته المتدفقة حول جودة بضاعته وعلى أنها الأحسن وصنعت خصيصاً لعشاق الفن اليدوي.... هكذا استقبلنا سوق خان الخليلي وأهله ... تجار خبراء في فن البيع، ورثوا التجارة والشطارة وصبر أيوب وحرفة إقناع الزبون عن أجدادهم، وهم يعرضون الأصيل والمزيف من البضائع، ولهم ولع عجيب بالمساومة ... يعتبر خان الخليلي أشهر شوارع القاهرة السياحية لما يتميز به من موقع متفرد وسلع ومنتجات فريدة، في أزقته يشم الزائر عبق القاهرة الفاطمية، وهو يمتد من أمام مشهد المسجد الحسيني المواجه للجامع الأزهر الشريف حتى حارة الصالحية التي تنتهي الى عدة تفرعات من شوارع ودروب وحارات أشهرها وأقربها هو شارع المعز لدين الله الذي يعتبر اكبر متحف مفتوح للآثار الاسلامية بما يضمه من عشرات المساجد والبيوت الاثرية ومنطقة بين القصرين... حتى اكتسبت شهرة عالمية، لذا يعد مقصد كل السياح للتجول وشراء الهدايا التذكارية. سوق ... تحته رفات ومقابر الفاطميين فكرة انك تسير في شارع مرّ عليه في زمان مضى ملك من المماليك أو خليفة من الخلفاء والامراء من دول مختلفة حكمت مصر في عصر من العصور، تسير في نفس الطريق ... ينتابك احساس بالعظمة عظمة مصر والشعوب التي مرّت من هنا... خان الخليلي ... سوق ليس ككل الأسواق تحته رفات ومقابر الفاطميين ولعلّ حكايات أهل المنطقة وحدها كفيلة بالتعريف بجماليّة وتاريخ وعراقة خان الخليلي الذي يعود حسب ما علمناه بعين المكان وحسب ما جاء في وثائق تاريخيّة إلى الحاكم المعز لدين الله الفاطمي قبل انتقاله من تونس نقل معه بعض التوابيت يحمل فيها عظام أجداده الفاطميين هناك ونقلها معه الى القاهرة ليدفنها عنده في مقبرة الزعفران القريبة من المشهد الحسيني الشريف القريبة من شارع المعز لدين الله وقبل عام 800 ه ، ولما جاء الشريف جركس الخليلي اتفق مع بعض امراء المماليك على نقل المقبرة الزعفرانية الى بعض التلال البعيدة وخطط خانا كبيرا زوده بالحوانيت الصغيرة وجعل محل المقبرة المذكورة مبنى على هيئة سوق تجاري للباعة ويبنى على الطراز المملوكي ويسميه باسمه خان الخليلي. «كل شيء في سوق العتبة ... ما عدا والديك» والتجوّل بخان الخليلي داخل الشوارع والازقّة والتركيز على جدرانه وأبوابه كفيل اكثر بنقل مختلف المشاعر والاحاسيس التي انتابتنا ونحن نزور المنطقة لاوّل مرّة ... جولتنا تبدأ من العتبة التي يتواجد بها هي الأخرى سوق شعبي ضخم "تجد فيه كل شيء ما عدا والديك"، نمر على شارع الازهر عندما نصل إلى جسر عملاق يطلق عليه تسمية "كوبري" المشاة المعدني الذي يربط بين جانبي الشارع ليصاب الزائر للمرّة الأولى بالحيرة على الفور ففي هذا المكان ينفصل شارع المعز لدين الله الفاطمي أطول شارع أثري فى العالم - 4800 متر - إلى اتجاهين شرقا وغربا وبمجرد الدخول فى حرم الشارع تختلف الأمور كثيرا فرغم الزحام يصل للزائر فورا الإحساس بالزمن الجميل سواء عن طريق روائح البخور التى تنتشر فى المكان كله أو حوائط المباني القديمة وعربات المشروبات المصرية الخالصة والأكلات الخفيفة المملوءة بالبهارات المصريّة الحارّة والخالصة ... جدران وأبواب تحمل رونقا وخامة قديمة تقف فى شموخ تتحدى الزمن فقد مر عليها الجميع وبقيت هي شاهدة على كل العصور ... تقول بعض الروايات التاريخيّة ان السوق يزيد عمره على 600 عام، وما زال معماره الأصيل باقياً على حاله منذ عصر المماليك وحتى الآن، هاجر اليه عدد كبير من تجار مدينة الخليل الفلسطينية وسكنوه وتوجد به جالية من اهل الخليل تسكن به وتعمل بالتجارة واليهم ينسب خان الخليلي بالقاهرة وقد سمي بهذا الاسم نسبة لمؤسسه وهو أحد الأمراء المماليك وكان يدعى جركس الخليلي وهو من مدينة الخليل. اكسسوارات وهدايا وفرجة الكل يبيع داخل السوق ... نساء ... رجال وحتى الاطفال سواء كان نحاس، جلد أو زجاج وبمجرد أن تدخل الشارع يتناهى إلى الأسماع عبارات الترحيب المصرية خفيفة الظل، وكلمات أولاد البلد المرحبة تدعو الزائرات والزائرين للفرجة، "واللي مايشتري يتفرج"، "مصر نورت" وغيرها من العبارات التي تدخل القلب دون إذن وتجعلك تدخل وتبتاع دون إذن ايضا... بضائع من كل صنف ولون، من الذهب والماس والفضة تتداخل مع ملابس مزركشة رصها أصحاب الحوانيت كنوع من العرض والإغراء والجذب على واجهة المحلات، وتتدلى مئات المسابح داخل فترينات العرض، أو في أيدى صبية صغار يعرضون أنواعاً شتى من المسابح، بعضها مصنوع من بذر الزيتون والبلاستيك وتسمى (نور الصباح)، وبعضها الآخر ينتمي لفصيلة الفيروز والمرجان والكهرمان واليسر، ومنها ما يصنع من خشب الصندل، ويقول أحد الصناع المهرة إن المسبحة تصنع على آلة يدوية صغيرة ودقيقة اسمها "المخرطة". ولعلّ ما يميّز خان الخليلي بالقاهرة عن غيره من الأسواق هو كثرة عدد حوانيته المتلاصقة الى جوار بعضها بعضا في ألفة شديدة يباع فيها كل ما يرغب السائح والزائر في شرائه في مصر بدءا من القطع الأثرية الفرعونية المقلدة بحرفية ودقة شديدتين مرورا بالمشغولات النحاسية والأرابيسك التي تخطف العيون عندما تقع عليها وانتهاء بالعباءات وبِذَل الراقصات الشرقيات التي تجلب السائحين من كل الجنسيات لاقتناء شيء منها ومحال الفضة والذهب التي تضم أرقى المشغولات وتحظى باقبال شديد من السائحين العرب والأجانب وكذلك المصنوعات الجلدية والنحاسية والخشبية والملابس المزخرفة بالفنون الفرعونية والاكسسوارات التاريخية التي يظهرون بها في الأعمال التاريخية كالسيوف والخِوَذ النحاسية والأحزمة والشنط والمسابح المكونة من العاج وخشب الصندل والفيروز والزجاج والكهرمان وبذور الزيتون. يشتمل سوق خان الخليلي على الحرف التقليدية والتراثية ومئات العاملين والحرفيين المصريين والفنانين الذين يمتهنون الحرف والصناعات اليدوية مثل قطع السجاد والسبح والكريستال وصناعة البردي وصناعة الحلي والمشغولات الذهبية والفضية والخشبية والنحاسية، وكذلك التمائم الفرعونية والمنسوجات اليدوية والألبسة والفوانيس والأقمشة المطرزة والتماثيل المعدنية والزجاجية والأحجار المختلفة والاكسسوارات والمصنوعات الجلدية والاعشاب الطبيعية والبخور السوداني والأباجورات المصنوعة من الزجاج المعشق والزجاج البلدي والنارجيلة والشيشة العربية التي اصبحت من اشهر المنتجات التي يتداولها العرب. بيت زينب الخاتون ... 27 جثة دفنت في سرداب أرضي بعدما قرّرنا الخروج من خان الخليلي والدخول لمسجد الازهر لاداء صلاة الظهر صادفنا طالبا جزائريا يدرس بجامعة الأزهر كان لنا دليلا في رحلتنا في عبق الحضارة الاسلاميّة بين مسجد الأزهر ومسجد الحسين وبينهما منزل زينب خاتون، التي يحكى ان لها أصول جزائريّة، وهو بيت أثري قديم يقع خلف الجامع الأزهر بالقاهرة ويروى أنه في عام 1486 قامت الأميرة شقراء هانم حفيدة السلطان الناصر حسن بن قلاوون أحد سلاطين المماليك ببناء منزلاً جميلاً خلف الجامع الأزهر وظل هذا المنزل ملكها حتى عام 1517 ودخول العثمانيون مصر، وتعاقب الوافدون الجدد على سكن المنزل وأضفوا لمساتهم عليه، وزينب خاتون، كانت إحدى خادمات محمد بك الألفي، أعتقها الألفي بك فتحررت زينب بل وتزوجت أميراً يدعى "الشريف حمزة الخربوطلي". ولأن زينب تزوجت أميراً فقد أصبحت أميرة مثله بل وأضيف لقباً إلى اسمها وهو خاتون أي المرأة الشريفة الجليلة، لذا أصبح اسمها زينب خاتون. واشترى لها زوجها منزل شقراء هانم حفيدة السلطان الناصر حسن بن قلاوون وسمي المنزل باسمها منزل زينب خاتون وكانت آخر من سكن هذا البيت وتحكي الروايات أنه في عام 1798، جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر وبدأ نضال المصريين ضد الاحتلال الأجنبي، وشاركت زينب خاتون في هذا النضال فكانت تؤوي الفدائيين والجرحى الذين يلجأون إلى البيت عندما يطاردهم الفرنسيون، وقد عثر في البيت على سبع وعشرين جثة دفنت في سرداب تحت الأرض، يعتقد أنها جثث الجرحى التي كانت زينب خاتون تؤويهم داخل بيتها.وإذا كانت قصة حياة زينب خاتون تكشف لنا ملمحا مهمًا عن حياة هذه السيدة، فإن البيت نفسه وما يشتمل عليه من قاعات وأنماط هندسية يكشف لنا عن سمات العمارة المملوكية وما تحمله من رؤية. يُعتبر بيت زينب خاتون نموذجًا للعمارة المملوكية. فمدخل البيت صمم بحيث لا يمكن للضيف رؤية من بالداخل وهو ما أطلق عليه في العمارة الإسلامية «المدخل المنكسر». وفور أن تمر من المدخل إلى داخل البيت ستجد نفسك في حوش كبير يحيط بأركان البيت الأربعة وهو ما اصطلح على تسميته في العمارة الإسلامية ب "صحن البيت"، والهدف من تصميم البيت بهذا الشكل هو ضمان وصول الضوء والهواء لواجهات البيت وما تحويه من حجرات. جامع الأزهر ... المنارة الدينيّة والعلميّة يكاد يكون الجامع الأول في العالم الذي لعب أدواراً دينية وتعليمية وثقافية وسياسية ومعمارية، إذ يبرز دوره الديني في أداء الصلاة والعبادات ودوره التعليمي يتمثل في دراسة اللغة العربية والعلوم الاسلامية، ودوره السياسى فى مواقفه المشهودة في التصدي لظلم الحكام وتحريك الثورات ضد المحتل الأجنبى. كما لعب دوراً ثقافياً وفكرياً من مناقشات ومداولات وإلقاء الخطب. أما دوره المعماري فيبدو واضحا في التطورات المعمارية في عصور الولاة والسلاطين والملوك والرؤساء. لذا ظل الأزهر منارة دينية وتعليمية وثقافية للمسلمين. الجامع الأزهر هو رابع الجوامع التي بني في مصر وشرع جوهر الصقلي فى بناء هذا الجامع مع القصور الفاطمية بمدينة القاهرة ليصلي فيه الخليفة وليكون مركزاً للدعوة لنشر المذهب الشيعي بمصر فبدأ البناء به سنة 359ه/970م بناء الجامع عامين وأقيمت أول جمعة به سنة 361 ه/973م وعرف بجامع القاهرة، والطراز المعماري للجامع الأزهر مميز بمساحته التي تحتل 12 ألف متر مربع وهندسة البناء، و للجامع ثمانية أبواب، الجانب الغربي المطل على ميدان الأزهر باب المزينين والباب العباسي (نسبة إلى الخديوي عباس حلمي الثاني)ة وفي الجانب الجنوبي توجد أبواب المغاربة والشوام والصعايدة.. أما الجانب الشمالي فتوجد الجوهرية والشرقي باب الحرمين والشورية.. وله من المآذن خمس، ينقسم الأزهر إلى رواقين، الرواق الكبير القديم ويلي الصحن ليمتد من باب الشوام إلى رواق الشراقوة.. أما الرواق الجديد والذي أنشأه عبد الرحمن كتخدا فيظهر بعد الرواق القديم ويرتفع عنه نصف ذراع.. كان للجامع عشرة محاريب تبقّى منها ستة ومنبر واحد. وبالمسجد أكثر من 380 عمودًا من الرخام . جامع سيدنا الحسين ... قلب القاهرة كانت الوجهة الاخرى في رحلتنا هي جامع سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب، الذي دخلناه وأدّينا فيه صلاة العصر، وهو لا يقل أهميّة من جامع الازهر ويعد من أهم معالم القاهرة الذي يحرص أي مسلم زائر لمصر على زيارته، وبلغ تقديس المصريين له أقصى المدى مما دفع الكثير من المؤرخين إلى إطلاق اسم مسجد الحرم المصري عليه، نظراً لإيمان المصريين المطلق بأن رأس الحسين مدفون في هذا المسجد، الذي يقع في قلب القاهرة، رغم اختلاف الروايات حول هذه الحقيقة . . ويقع جامع الحسين قرب الجامع الأزهر الشريف وسوق خان الخليلي، وأنشأه الفاطميون سنة 549 ه ... بني الجامع بالحجر المنحوت ويضم 3 أبواب مبنية بالرخام الأبيض تطل على خان الخليلي، وباباً آخر بجوار القبة، ويعرف بالباب الأخضر، ويضم الجامع منبراً خشبياً دقيق الصنع.