يعتقد العديد من المواطنين أنّ مهنة عمال النظافة هي من بين أكثر المهن بساطة وسهولة، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك تماما، حيث أنها تتطلب جهدا مضاعفا، هذا فضلا عن مواجهتها للكثير من المصاعب والمخاطر يوميا التي تهدد حياتها من حين لآخر في ظل غياب وعي المواطن، هذا الأخير الذي لا يقدر عمل هؤلاء إلاّ خلال حاجته إليهم، فإضراب بسيط لهذه الفئة أو احتجاج لساعات قليلة فقط قد يؤثر سلبا على المجمعات السكنية والأحياء والشوارع نتيجة تكدّس الأطنان من القمامة وما ينجر عنها من روائح كريهة وحشرات ضارة. فعامل النظافة اليوم بات يعاني من عدة مشاكل دون أن يتلقى ولو التفاتة بسيطة من المسؤولين، فالجميع ينظر إليه نظرة احتقار، على أنه أسفل السافلين، والبداية من تسمية "الزبال" الذي يٌطلقها المواطن عليه، فكيف لرجال هم في سن آبائنا يسهرون على نظافة محيطنا ويجمعون نفاياتنا التي تترامى هنا وهناك أن نطلق عليهم اسما مغايرا يثبت عكس ما يقومون به تماما، والأدهى ما في الأمر أنّ المواطن هو الحلقة الرئيسية في انتشار القمامات، نتيجة عدم احترامه للمواقيت المحددة لجمع القمامات، أو عدم وضعها في الأماكن المناسبة المخصصة لها، إلا أنّ اللّوم يٌلقى دائما على عامل النظافة المغلوب على أمره، هذا بالإضافة إلى مشاكل أخرى ظل يتخبط فيها لسنوات طويلة بالرغم من تعاقب المجالس المنتخبة، إلا أنّ دار لقمان لا تزال على حالها، تنتظر من يرأف بحالها، في ظل غياب وانعدام ظروف العمل المواتية بما في ذلك غياب البدلات المخصصة لممارسة هذا النشاط، حيث تٌمنح لهم بدلة واحدة فقط سنويا، هذه الأخيرة التي تقاوم لأشهر قليلة فقط، نتيجة رداءة نوعيتها، وذلك حسبما جاء على لسان أحد عمال النظافة التابع لبلدية وهران، الذي أفاد بدوره أنه من المفترض أن تستفيد هذه الفئة من العمال من بذلتين اثنتين بدلا من واحدة تسلّم لهم سنويا، هذا فضلا عن القفازات التي سرعان ما تتمزق، جراء عدم جودتها فضلا عن العمل الدائم والمستمر، الأمر الذي يجعل هؤلاء العمال يقتنونها من جيوبهم في الكثير من الأحيان، محافظة على سلامة أياديهم التي تعتبر مصدرا لرزقهم. المحسوبية تؤزم الأوضاع النفسية فيما تساءل عامل آخر عن عدم منحهم لمادة الحليب، هذه الأخيرة التي كان يستفيد منها عمال النظافة خلال السنوات الماضية، باعتباره إجراء يعتمد على التشريع البلدي والقوانين الخاصة بحماية العامل مهنيا نتيجة الروائح الكريهة والغبار، فيما أضاف عون نظافة آخر أن الأجور التي يتلقونها شهريا غير كافية تماما مقارنة بالجهود المبذولة والتي تتراوح ما بين 17ألف دينار جزائري و 33 ألف دينار جزائري وذلك حسب الأقدمية، هذا ناهيك عن ما يواجهونه من "حقرة" من طرف المواطنين الذين يغيب عنهم عامل التحضر من خلال نظرة الاستفزاز المرسومة في عيون الناس، فيما أجمع هؤلاء العمال على ظاهرة المحسوبية التي زحفت إلى غاية مهنة عامل النظافة والتي باتت تؤزم أوضاعهم النفسية لاسيما وأنهم قد اعتادوا على تسمية "الزبال"، فالمسؤولين أضحوا يختارون وجهات أعوان النظافة وفقا لمدى الصلة التي تربطهم بهم، كتوجيههم نحو الأحياء الراقية، أو القريبة من مقر سكناهم، فيما يحظى من لا معرفة له بأحياء شعبية ذات كثافة سكانية مرتفعة، أو حتى الأماكن البعيدة جدا. وفي ذات الشأن تجدر الإشارة أنه وباعتبار أنّ بلدية وهران تعتبر من كبرى المدن على مستوى الولاية، الأمر الذي يتطلب توفير عددا كبيرا من أعوان النظافة، قمنا بتسليط الضوء من خلال موضوعنا على أعوان النظافة التابعين لها، حيث أنه ومن خلال الاتفاقية الأخيرة التي أبرمها المجلس النقابي للبلدية وإدارة هذه الأخيرة فإنه تقرر معالجة مشاكل هذه الفئة من العمال قبل تاريخ 31 ديسمبر المقبل، وذلك من حيث توفير لهم اللباس اللازم لإتمام عملهم، هذا ناهيك عن توفير الحماية الطبية زيادة على توفير مادة الحليب، حيث سيتم في هذا الصدد رصد قروض توّجه لمكتب الخدمات الاجتماعية للتكفل بالعملية. وفي الأخير لا يسعنا سوى التساؤل عن مصير هذه الفئة من العمال، فهل یمكن التخفیف قریبا من آلامها وتتم مكافأتھا ورد جمیلھا بجمیل، لاسيما وأنها تخلص الناس من قماماتھم وفضلاتھم بینما لا أحد قادر على أن یخلصھا من مآزقھا التي تتخبط فيها لسنوات طويلة؟.