*صفقات لجمع ما يناهز 5 آلاف دج يوميا التسول ، ظاهرة قديمة قدم الإنسان ، يلجأ إليها الناس في حالات الكوارث البشرية والطبيعية ، وهذا بعدما يفقدون كل ما يملكون ، ليبقى أمامهم الغوص في عالم التسول للعيش... لكن ، مع مرور الأيام ، تحولت هذه الظاهرة لتصبح حرفة حقيقية تمتهنها عصابات محترفة ، يستغلون خاصة براءة الأطفال ، يستعطفون بفضلهم عواطف المارة ، كما يدغدغون مشاعرهم ، مصالح الشؤون الإجتماعية وبالتنسيق مع شركائها الإجتماعيين نظمت مؤخرا حملة لمحاربة كل المتسولين الموزعين عبر شوارع وأحياء مستغانم ، استغلالا لهذه الحملة غاصت يومية الجمهورية في هذا العالم ، وحاولت التعرف على الحيل والطرق التي يستعملها المتسولون في سبيل الوصول إلى أهدافهم الدنيئة.
****عصابات تستغل البراءة ظاهرة التسول عن طريق استغلال الأطفال من قبل عصابات مختصة ، تطورت خلال السنوات الأخيرة تطورا كبيرا إلى درجة أنها باتت مفضوحة ، حيث يمكن ملاحظة ذلك وبكل وضوح عبر شوارع مدينة مستغانم وأحيائها وهذا على مدار الأسبوع ، حيث تجلس بعض النسوة مرفقات بعدد من الأطفال على قارعة الطريق أو الأرصفة ، مصالح مديرية الشؤون الإجتماعية قررت وضع حد لهذه الحالة التي تريد أن تفرض نفسها على المشهد الإجتماعي على أنها حقيقة ، وبذلك راحت تلاحق كل ممارسي هذه " المهنة المشتبهة " وهذا بالتنسيق مع مصالح الهلال الأحمر الجزائري ومصالح الأمن والحماية المدنية ، قبل تنفيذ إجراءاتها قدمت فرقة مختصة من مصالح الشؤون الإجتماعية إنذارا لكل هؤلاء الإنتهازيين الذين وجدوا في هذه المهنة ضالتهم ودخلا سهلا ومربحا ، وهذا بعدما راحت تحسس الأمهات بمدى خطورة التسول وانعكاساته الصحية على أطفالهن ، حيث أكدت بعض المصادر أن البعض من هؤلاء المتسولين يجمعون يوميا ما لا يقل عن 3500 دج ، في حين يؤجر الأطفال في اليوم أو الأسبوع بثمن يتراوح بين 1000 إلى 1500 دج للطفل الواحد ، الملاحظ أن أغلبية الأطفال المستغلين في التسول منحدرون من زواج غير شرعي ، بعد يوم واحد من انطلاق الحملة اختفى المتسولون من شوارع وأحياء المدينة ، الأكيد أن اختفاءهم جاء بأمر من البارونات والقائمين على عصابات التسول ، حيث تنتظر من جهتها الوقت المناسب للعودة من جديد إلى عادتها المألوفة ، لكن حسب ما استقته اليومية تكون مصالح مديرية الشؤون الإجتماعية لولاية مستغانم قد وضعت برنامجا طويل المدى .
مهندسون ,طقوس ومواعيد التسول كما جاء في المقدمة هي ظاهرة مؤقتة ، من المفروض أن تختفي من الساحة الإجتماعية بمجرد اتخاذ المصالح المعنية خططا وقائية ك" خطة أورساك / plan orsec " التي تتماشى وطبيعة الأزمة التي تمر بها البلاد أو المنطقة ، لكن أن تستمر في المكان والزمان فمعنى هذا أن الأمر فيه " إن " كما يقال ، عندها يستوجب معالجتها من الأساس ، بمستغانم حيث تحول التسول فعلا إلى حرفة أو مهنة لكل ما لهذه الكلمة من معنى ، إذ وضع لها مهندسوها طقوسا ومواعيد وترتيبات ، وبذلك باتت صورة مفروضة على المجتمع على مدار السنة . *فنون و أشكال المتسولون أنواع ، منهم الطفل الذي لم يبلغ بعد السن الخامسة ، والفتى الذي تجاوز العقد الأول وربما الثاني من عمره ، ثم الكهل في عقده الرابع أو الخامس وأخيرا الشيخ ، لا ينطبق هذا على الذكور فقط وإنما حتى على الجنس اللطيف ، لكن لكل منهما طريقته في التسول ، فمثلا النسوة يستعملن الأطفال الرضع .وبذلك يقدم المتسول الطفل أمام المارة على أساس الرفق والرحمة به ، على أنه يحتاج إلى خدمات كالحليب ، الألبسة والأدوية ، ما لا يعلمه المارة أن هذا الرضيع في غالب الأحيان هو عبارة عن صفقة أجراها المتسول مع والد الطفل مقابل مبلغ مالي ، حيث يضرب بذلك حقوق الطفل عرض الحائط التي لا تقيه من الظواهر الطبيعية التي يتواجد فيها على مدار اليوم كالحرارة ، البرودة ، الرطوبة ، الأوساخ ... ما يهم المتسولون هو الحصول على المال بأي ثمن كان ولو على حساب الطفل البريء ، أما الطفل المتسول فهو الآخر لا يكون إلا أداة يوظفها الكبار لبلوغ أهدافهم الدنيئة ، **نعم للنقود لا للمساعدات حيث يجبرونه على التنقل من مكان لآخر والدفع به في الطرقات لمضايقة المارة وطلب المساعدة ، الملاحظ أن هؤلاء يأخذون فقط الأموال في حين يرفضون المساعدات الغذائية كالخبز ... ، أما الشاب المعوق فتجده يستغل إعاقته الجسدية ، حيث يظهر قطعة عظم فخضه أو كتفه أو أحد اليدين المبتورة أو تشوه خلقي في جسده أو وجهه ... ، بمعنى كل ما هو عاهة يظهره ويخرجه المتسول ويرمي به إلى الشارع لجلب الإحسان ، هؤلاء الذين يحملون في أجسادهم هذه التشوهات يكونون أكثر جرأة وتميز ، يتمركزون حيث أصحاب السيارات أمام الإنارات الملونة عند توقفهم لثواني ، فيمدون أيديهم عبر نوافذ السيارات مجبرين الركاب على النظر إلى تشوهاتهم فتأخذهم الرحمة والشفقة ويخرجون ما بجيوبهم من نقود ، تستمر هذه العملية على مدار اليوم ، أما الشيوخ ، فلا يكترثون كثيرا بالأماكن التي يقبعون بها ، فتجدهم يجلسون أينما حلوا ، ما يهمهم هو أن يكونوا في طريق عمومي ، يغص بالمارة ، فمنهم من يستلقي فوق الرصيف وبعبارة " على مك ، على مك ، على مك .... " يجلب إليه الإنتباه ومنهم من يمد يده ويتمتم بصوت خافت " لله يا محسنين " ومنهم من يضع أمامه ورقة مكتوب عليها " عاونوا خوكم المسكين " ووو الحالات كثيرة والطرق عديدة ولكل منهم منهجيته في الحصول على المال . مهنة مهينة لكن مربحة كثيرا ما طالعتنا اليوميات الوطنية أو الجهوية على كشف مصالح الأمن والدرك عن متسولين محترفين وعصابات اختصت في السطو والتسول بصفة جماعية ، كجماعة غليزان التي كانت تأتي على متن سيارة من نوع 404 مغطاة إلى مدينة مستغانم ، وبداخلها عدد كبير من النساء والأطفال ، الذين كانوا ينتشرون عبر الطرقات الرئيسية للمدينة وخلال الفترة المسائية تعود المجموعة من حيث أتت وتجمعهم السيارة لترحل بهم إلى مدينة غليزان ، هذه الظاهرة دامت لأشهر إلى أن تم الكشف عنها ، حالة أخرى لكن هذه المرة بالجزائر العاصمة ، حيث كان أحد الشباب ويوميا يقلع صباحا من مطار الجزائر العاصمة صوب مطار قسنطينة ليعود في المساء إلى منزله الكائن بحي باب الواد ، مصالح الجمارك شكت في تحركاته فأوقفته ، وعند تفتيشه تبين أنه ينتقل على متن الطائرة يوميا إلى قسنطينة من أجل التسول ، حيث أخرجت من جيوبه الداخلية عملة وطنية وأخرى أجنبية ، أضف على أنه اعترف بجمعه يوميا ما لا يقل عن 5.000 دج ، في تجربة فريدة من نوعها كشف أحد الصحفيين الجزائريين عن تجربته مع عالم التسول ، حيث انتقل إلى إحدى الولايات الشرقية (عنابة ) وارتدى لباسا قديما ووقف بإحدى أبواب مساجد المدينة وكانت علامة الحياء تبدو عليه خوفا من أن يعرفه أحد من المارة ، ففي اليوم الأول لاحظ عدم حصوله على الكثير من المال ، ففكر في اليوم الثاني في الجلوس بدل الوقوف ، عندها استخلص أنه جمع مبلغا محترما ، أكثر من هذا اختفت ظاهرة الحياء على ملامحه ولم يعد يستحي من أي كان ، استمرت تجربته أسبوعا كاملا ليستنتج في النهاية أن التسول مهنة مربحة بالرغم من أنها مهينة . ****أوقات يجب احترامها ظاهرة التسول للأسف باتت مهنة كسائر المهن لها أوقاتها وطقوسها ، فبخصوص التوقيت ، يركن المتسول قرب أبواب المؤسسات المالية كالبريد ، البنك ، صندوق التوفير ... حيث يعلم جيدا أنها تفتح وتغلق في أوقات معينة ، كما أنها لا تشتغل أيام الجمعة والسبت ، لذا تجد المتسولين يفترشون ( كارطون ) وبجانبهم أطفال رضع ، يرتدون ألبسة وسخة ، أما النساء فتضعن على وجههن " العجار " حتى لا يعرفهن المارة ، يضعون أمامهم منديلا وبوسطه قطعة 10 دنانير ، عندها يشرع الكل في التسول وطلب المال خاصة من المغادرين لهذه المؤسسات ، خلال الفترة المسائية والتي تنتهي غالبا في حدود الساعة الرابعة ، يتجه هؤلاء المتسولون إلى دكاكين خاصة يتعاملون معها ، حيث يقدمون لها كل ما جمعوه من قطع نقدية مقابل تحويلها إلى أوراق مالية من أصل ألف وألفي دينار جزائري ، حيث أكد لي صاحب أحد الدكاكين بمدينة مستغانم أن أحد المتسولين المزيفين يمده يوميا بكمية معتبرة من القطع النقدية لأنه هو بحاجة إليها ، في المقابل يمده بأوراق نقدية تفوق في أغلب الأحيان ثلاثة آلاف دينار يوميا ، كما لاحظ يضيف اختفاءهم أيام العطل الأسبوعية.