خلق الله الإنسان في هذه الدنيا وكرمه أحسن تكريم، إلا أن بعض الناس لا يحمدون نعمة الله عليهم من صحة وقوة ليكسبوا قوتهم اليومي من عرق جبينهم فاتخذوا من التسول مهنة لهم والدنيء في ذلك اتخاذهم للبراءة كسلاح لاستعطاف الناس، ليس هذا فحسب بل اتخذوا المعاق والشيخ والمرأة سبيلا لكسب المال، وذلك بأساليب تؤرق المجتمع وحتى ساعات متأخرة من الليل نجدهم أمام الإشارات الضوئية، وأبواب المستشفيات، ليس هذا فحسب بل أصبحوا يدقون أبواب المنازل ويستوطنون المساجد خاصة في رمضان ما يعطي صورة غير حضارية وسيئة تشوه المدينة...بدأت أرجاء العاصمة تكتظ قبيل الشهر الكريم بيومين، ليس بالمارة وإنما بالمتسولين، فلا يكاد ركن أو زاوية من الشارع يخلو من هؤلاء، أعداد كبيرة من النساء والرجال والأطفال أخذوا بالانتشار بين الأحياء السكنية و المساجد خاصة النساء اللواتي يحملن الأطفال الرضع، وهذا في ظل غياب شبه تام لأجهزة الدولة المعنية، تاركين إياهم يطورونس حيلهم.. لا نستطيع أن نعمم المصلحة لأنه هنالك من يضطر لتسول لقمة العيش له ولأسرته، ولكن بعضهم الآخر يعاني شراهة مرضية للمال، تجعله لا يكتفي بما يحصل عليه، لأن هدفه ليس الطعام فقط، بل الإثراء من صدقات وزكوات الآخرين، من خلال استغلال العاطفة، ويتزايد ويستمر نشاط هذه العصابات خلال شهر رمضان المبارك باعتباره الشهر الأعلى دخلا في السنة للمتسولين، كما أنه تم اكتشاف عصابات زعماء يقودون هذه الشبكة ويوفرون السكن ووسائل التنقلات للأفراد.ما إن تطأ قدماك باب المسجد حتى تجدهم بانتظارك فيتهافتون عليك من اجل تجريدك من محتوى جيوبك، وفي بعض الأحيان يشب شجار عنيف من أجل الصدقة وحجز الأماكن.. حقا غريب وعجيب وعلى هذا تتداعى كثير من الأسئلة حول ظاهرة التسول المنتشرة في الجزائر، وبعد قطفهم ثمار موسم رمضان، الذي عادة ما يكون شهر البر والإنفاق يحق لنا أن نتساءل: أين تذهب تلك الأموال؟ وماذا بعد جرد الحسابات وإغلاق الموسم وإعداد ميزانية ختامية؟ وانطلاقا من هذه الأسئلة استطلعت الاتحاد آراء المواطنين وتقربت من هؤلاء المتسولين وكانت الحصيلة التالية: "احذروهم فهم عصابات منظمة" منير كهل خمسيني يؤكد أن هؤلاء ليسوا من المحتاجين بل هم عصابة مشكلة غرضهم السرقة والنهب ويستذكر واقعة جرت في حيه الكائن ببراقي قائلا: دقت متسولة وبصحبتها فتاة في الرابعة باب إحدى الجارات وطلبت منها الصدقة فأعطتها صاحبة المنزل "مكتوبها من المال" ولكن المتسولة طلبت منها قبل المغادرة كبا من الماء، فذهبت المرأة وأحضر لها قارورة ثم أغلقت الباب وما إن حل الظلام حتى سمع زوج المرأة صوتا غريبا فاتجه إلى إحدى الغرف فإذا به يرى حركة تحت السرير.. وإذا به يصدم بفتاة كانت مختبئة هناك، فنادى على زوجته وإذا بها تتعرف عليها على الفور.. ليقوم الزوج بالاتصال بالشرطة التي خلصت بعد التحقيق إلى أن الفتاة تعمل مع عصابة تدعي التسول بحجة سرقة المنازل وأن المرأة التي كانت ترافقها أخربتها أن تدخل المنزل وتختبئ وفي الليل عندما ينام أهل البيت تذهب وتفتح باب المنزل للعصابة كي يتسنى لهم الدخول دون كسر الباب.. وبعد ضع كمين القي القبض على بعض أفراد العصابة" "واش احنا ماتجوزش فينا الصدقة"؟ وفي حكاية أخرى ترويها منال أنها تعرضت للبهدلة بسبب بعض النساء المتسولات بشارع العربي بن مهيدي حيث قالت أنها أعطت صدقت لواحدة وإذا بمجموعة من النساء يمسكن بيدي وحقيبتي فهرولت هاربة ولكنهن أمسكن بي وهن يقلن " واش احنا ماتجوزش فينا الصدقة"؟ تمكنت من الهرب منهن بعدما تواجهت سيلا من الشتائم والسب والرمي بالحجارة.. حقا كان موقفا محرجا. "لا أريد أن تعطيني طعاما.. أعطيني ثمن الطعام" فيما يقول نعمان سائق تاكسي" في الماضي كان المتسول يطرق الباب أو الشارع في طلب الطعام لكونه جائعا أو البعض يطلب مواد غذائية كالرز أو الطحين أو غيرها، أما الآن فان كلمة جائع تعني أريد ثمن الطعام ولا أريد أن تعطيني طعاما، مثلما تفعل إحدى المسنات التي تقف أمام صراف البريد المركزي وتذكر بأنها جائعة من الصباح حتى المساء ويوميا رغم إعطائها المال من مئات المارة. ما يجنون في اليوم الواحد نجنيه نحن في شهر أو أكثر أما يوسف فقال: لقد بتنا نستحي من هذه الظاهرة فهم متواجدون في كل مكان ويتزايدون بشكل مفزع، يصطفون بجانب إشارات مرور، وعند نزولك وأسرتك من السيارة، أمام المجمعات التجارية، وأبواب المطاعم، لثقتهم في حصولهم على مغانم بالضغط النفسي عليك، نتيجة الإيحاء لك بأنهم لا يجدون ثمن المأكل وأنت تحمل أصناف الأطعمة أو فرغت من تناول طعامك، وتجدهم كذلك بجوار مكائن الصرف، المنازل، الشركات، المقاهي وحتى المساجد ليضعك في حرج أمام كرمك وإنسانيتك وقبلهما دينك الذي يحث على إغاثة الملهوف والمحتاج... والأغرب من ذلك تجدهم في آخر النهار يقصدون الأكشاك ومحلات الهواتف العمومية حاملين أكياسا من الدنانير النقدية ليحولوها إلى ورقية والتي تتجاوز مرتب العامل الشهري.. الحقيقة تؤخذ من أفواه البراءة.. التسول أصبح مهنة! مسعودة من سيدي بلعباس أتت إلى العاصمة من أجل جلسات الطلاق وفي كل مرة كانت تصطحب ابنتها صونية ذات العشر سنوات، ولبعد المسافة كانت تضطر إلى المبيت في نزل أما نهارها فتمضيه أمام أبواب مسجد ابن باديس بالعاصمة.. وما إن جلست لأول مرة على الطريق حتى ذاقت طعم الإحسان و الصدقة التي جنتها بمجرد جلوسها ودون أن تتعب.. مرت سنة تلو الأخرى واعتادت مسعودة على بقائها بالعاصمة فاتخذت من التسول مهنة لها بالرغم من عدم احتياجها حيث أنها تمكث بمنزل والديها ولها ابنة متزوجة وحالهم المادي ميسور إلا أن الربح السهل جعلها تتمسك بهذه العادة.. وهذه التصريحات أخذتها الاتحاد من ابنة المتسولة ذات العشر سنوات أما الم فقد أخفت الحقيقة وادعت أنها تعيل عائلة كبيرة ووالدها متوفى! اختلط على المواطن التمييز بين المتسول المحتاج و الممتهن وحول الظاهرة يقول سليم ك محامي هو أن المتسول لم يعد لديه خجل من هذه المهنة لارتفاع دخله منها فالتسول صار جد "مربح" وتدر على محترفيه دخلا عاليا يمكنهم من بناء بيوت فخمة وشراء سيارات فاخرة... والدليل على ذلك أنه ما من متسول لا يحوز على هاتف نقال يعبئه رصيدا كل يوم، وفي ظل الصمت غير المبرر من طرف السلطات المعنية، يزداد اتساع رقعة ممتهنيها، فاختلط على المواطن أمر التمييز بين المحتاج الحقيقي و"المتسول الممتهن" والعديد منهم اغتنم شهر الرحمة واعتبره مصدرا للرزق الوفير، خاصة أن هناك شريحة منهم ليسوا محتاجين وإنما يتخذون التسول كمهنة يسترزقون بها وتدر عليهم الربح الوفير. فجوة فطرت الظاهرة.. وبثور شوهت وجه المجتمع من جهته، يقول ف.ع ضابط أمني من بجاية: يعتقد بعض المواطنين أن الدولة مسؤولة عن كل الظواهر الاجتماعية، وهذا الفهم المغلوط يخلق فجوة بين المواطن المحتاج وبين السلطة ممثلة في إدارة مكافحة التسوّل، وعلة المواطن التبليغ عن هؤلاء، هؤلاء معظمهم لهم أهداف تخل بالأمن الوطني، وبعضهم لهم ارتباطات بعصابات دولية، فنحن بدورنا كرجال شرطة كلما وجدنا متسولا نتحقق من هويته ودافعه ونقوم بالإجراءات اللازمة، وإن كانوا من أفراد العصابات نتتبع خطاهم في سبيل إفشال خططهم التي تحاول النيل من أمن وطننا.