بوغالي يواسي    مجلس الأمن: الجزائر تؤكد على ضرورة العودة الى وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ جميع مراحل الاتفاق    كرة القدم /مونديال-2026 - تصفيات: تصريحات مدرب المنتخب الجزائري و اللاعب يوسف بلايلي    ثروة في الغابات    مونديال 2026 /تصفيات/ بوتسوانا-الجزائر (1-3): فوز ثمين ومهم للمنتخب الوطني    مونديال-2026 - تصفيات: المنتخب الجزائري يفوز على بوتسوانا 3-1    فرنسا: روتايو ينتمي إلى تيار من اليمين لم يتجرع أبدا انتزاع الجزائر استقلالها بنفسها    ممثلا لرئيس الجمهورية, ربيقة يشارك في مراسم إحياء عيد استقلال جمهورية ناميبيا وتنصيب الرئيسة المنتخبة    اليوم العالمي للمياه: تثمين الأشواط المحققة لتعزيز الأمن المائي الوطني    إسبانيا : اعتقال أربعة أشخاص جدد في قضية "نفق تهريب المخدرات" من المغرب    تجارة: اعتماد استراتيجية رقمية شاملة لإرساء نظام معلوماتي متكامل    النظام البيئي للصيرفة الاسلامية بالجزائر مقبل على مزيد من التطور مع إطلاق الصكوك    صيد بري : المديرية العامة للغابات تسلم أكثر من 26 ألف رخصة    السد الأخضر: مشروع إعادة التأهيل يتقدم بخطى كبيرة    المهرجان المحلي للإنشاد بقالمة: فرقة "أنوار الإيمان" لجيجل تتوج بالمرتبة الأولى    اختتام ليالي أولاد جلال للفيلم الثوري الجزائري    فلسطين : الاحتلال الصهيوني ارتكب جرائم حرب في مستشفيات غزة    افتتاح الطبعة ال14 للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الشعبي بالجزائر العاصمة    الوالي يعاين أشغال مشروع إزالة التلوّث من وادي الرغاية    مطاعم الرحمة.. موائد مبسوطة لعابري السبيل في رمضان    غزّة.. الهروب من الموت إلى الموت!    غزّة ومساومات المقترحات العربية    رقم الأعمال يرتفع ب15 بالمائة    دعاء الجماعة أَوْلَى بالقبول من دعاء الفرد    مخططات مغرضة تستهدف الجزائر    الجزائر وتونس تُنسّقان لتأمين الحدود    وزير الاتصال ينظم مأدبة افطار لفائدة الأسرة الإعلامية الوطنية    الجزائر تُحضّر لإطلاق الجيل الخامس للنقّال    الوادي : تشييع جثمان شهيد الواجب الوطني الطيار المقدم نصر بكوش بمقبرة سيدي يوسف    الخارجية تُصدر بيانًا حول رفض فرنسا تسليم بوشوارب    وزيرة البيئة تؤكد أن الدولة عازمة على تحقيق نقلة نوعية في تسيير قطاع البيئة    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    السيد سايحي يبرز مجهودات الدولة في توفير الهياكل الصحية عبر مختلف ربوع الوطن    سعداوي يشدد على ضرورة اتخاذ التدابير الكفيلة لتسيير الفصل الثالث في أحسن الظروف    بوقرة يستنجد بمجادل وكعسيس لتدعيم التعداد    لهفة الصائمين تعترض مساعي الحد من تبذير الخبز    مظاهرات حاشدة في المغرب لإسقاط التطبيع    مجموعة فرنسية تنظم مسيرة لإطلاق المعتقلين الصحراويين    المسموح والممنوع في الخدمات الرقمية نحو الخارج    نجوم في بيت الفن والسمر    خطوات جديدة لمرافقة وترقية الاستثمار    "بريد الجزائر" يطلق صفحة خاصة بتطبيق "بريدي موب"    اختبار صعب ل"الخضر" في طريق التأهل لمونديال 2026    7 متنافسين على المقعد الرياضي الأكثر نفوذا    مهرجان للإنشاد والمديح بسكيكدة    الخضر يبحثون عن الفوز للاقتراب من المونديال    حج 2025 : اجتماع تنسيقي لمتابعة عملية تسيير رحلات الحج    قال إن المنتخب الجزائري يملك توليفة رائعة من اللاعبين.. صهيب ناير سعيد باللعب مع الجزائر    متى يباح الإفطار للصائم    أجمل دعاء يقال في رمضان    الذكرى ال63 لعيد النصر: تنظيم ندوة فكرية حول تجليات عيد النصر في المخيال الأدبي والفني الجزائري    اتخاذ إجراءات ضد 53 مستورد للمورد    هل حافظت "طيموشة 3" على التألّق نفسه؟    بهجة رحال ونوري الكوفي نجما النوبة    الحويني في ذمة الله    جاهد لسانك بهذا الدعاء في رمضان    هذا موعد أول رحلة حج    12 مطارا و150 رحلة لنقل 41 ألف حاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فضاء القصة
تلمسان ... حدائق ذات مباهج
نشر في الجمهورية يوم 30 - 03 - 2015

" .. فرأيت حضرة الدنيا ، وبستان العالم ،ومحشر الأمم .. تلوح القصور والأواوين في جوهّا،و تزهر المدارس في آفاقها وتضئ البدور والكواكب من علمائها ،ومررت في سكك المدينة تغصّ بزحام المارة وأسواقها تزخر بالنعم ... "
ابن خلدون
وأخيرا ...استطاعت حافلة الجنوب التي سارت طوال الليل تطاردها حرارة لا تطاق،وعرق سال على الصدور والوجوه بسخاء،استطاعت أن تستقيم وتأخذ لها مكانا في هذا الطريق الذي استوي ،تخترق غابات التين والزيتون والنبق قبيل الفجر،في مدخل لها إلى تلمسان،مما جعل رئة الرجل الجنوبي تندهش لنسيم عذب دغدغ حناياها،دخل عبر النوافذ مخلوطا بالرطوبة المنعشة،وروائح الأشجار المثمرة علها تطرد -ولو إلى حين -عفونة الهواء الجاف الذي تسرّب داخله لسنوات عديدة،وشعر أنه خفيف كالريشة
وأن دماغه أخف،فرأى أن الظلمة الدّامسة لا تزال لم تترك للفجر ولا للسَّحر مكانا فأعجبه هذا العناد .
وانبعث من الراديو لحن مميز "هذه فاتنة الدنيا وحسناء الزمان .."،و تساءل إن كان هناك تواطؤ بين الطبيعة الساحرة في مثل هذا الوقت والنغم الجميل عليه حتى يستحيل إلى "مسافر زاده الخيال والسحر والعطر والظلال .. ". وهو يدخل تلمسان عبر مكتبتها المفتوحة على الهواء الطلق وبلا جدران أو قاعة حتى،في سوقها العتيق كان المكتبيُّ منشغلا بترقيع كتبه القديمة بعناية تامة،أكبر فيه هذا الحرص والاهتمام،فالكتب عتيقة و مختلفة ومرتبة بعناية فائقة تحت شجرة ضخمة بمحاذاة مقهى شعبي ،مالك بن نبي،يجانب فيكتور هيغو،وابن المقفع يحاذي لامارتين الذي يجانبه شارك ديكنز وغيره في كشكول عجيب في صورة رائعة لالتقاء الثقافات .
حتى إيزابيل ابير هاردت تلك المرأة الآتية من بلاد الغرب إلى الجنوب متنكّرة في زي رجل تحمل اسما مستعارا " سي محمود التونسي "مدعية أنها جاءت الزوايا لحفظ القرآن الكريم،كما كان يفعل الناس آنذاك ،مخفية عن الجميع أنها كانت مراسلة لإحدى الجرائد الغربية رصدت تحركات وعمليات
وسلوكات الناس بما يكفي لتقديم تقرير إلى الحاكم الفرنسي ليوطي بالعين الصفراء ليرسل جيشه فيستولي على الجنوب بأقل عناء .
الرجل الصحراوي يتنقل كالفراشة عبر حافلات البلدية المتعددة كانت تقف لتملئ بوجوه نيّرة كقطع من فضة لتفرغ في محطات لاحقة ترافقهم النكتة البريئة الحاضرة المبنية على البداهة وثقافة العمق والذوق الرفيع واحترام المشاعر فيعجب من سلوكات طيبة متأصلة،فالصغير يترك المكان للكبير في جدلية قائمة كل ذلك والحافلة تواصل السير لا يشيّعها شغب ولا لغب ولا فوضى حتى .
سيد المدينة وحامل أقفالها ومفاتيحها وحتى أختامها يضع تأشيرته على دفتر عطلته السنوية وابتسامة ترحيب ظاهرة تحمل وزن مدينة رائدة بكل حمولتها التاريخية ووزنها الحضاري وإرثها الثقافي ،حتى لتخال أن يغمراسن متواجد تحت الشفاه ومن خلال النظرات ووسط التحركات،فدعواته تلاحقهم باليمن و البركة كما تلاحق الفراشات الزهور .أما سيدة المدينة وحاملة أسرارها،فلقد أرسلت إلى الرّجل الجنوبي نظرة ثاقبة عبر المشوار السعيد ،انبعث منها بريق يظمأ الساري له . ذكّره بأميرات بني الأحمر قرأ على صفحة وجهها الصبوح الطهر والصفاء .لم تبتسم إليه وإنما رفعت قليلا حاجبها الأيمن متسائلة عن سر تواجده ،سرعان ما أخبرت خدمها وحشمها أن لا داعي لمراقبة بطاقة هويته ولا فصيلة دمه ولا حتى محتوى حقيبته فهي تعرف عنه أكثر مما يعرف عن نفسه ،من ذلك أن جدّه أيام الإستدمار،هرب من جحيم الجنوب بعد أن أعلن عن عجزه مواجهة ما يتطلبه بستان النخيل من عناية إلى الشمال ،كما فعل غيره ،مما جعل القائد الفرنسي يلاحظ الظاهرة فيصفها بالانزلاق الخطير معللا في إحدى خطبه بأن 'هروب فلاح نحو الشمال معناه موت عشرة من أشجار النخيل ' فاتخذ سكنا في القلعة مهّد لميلاد الأب،سرعان ما طردته المدينة لفقره و عجزها .
فسيدة المدينة أخبرت الخدم والحشم بأن الحفيد يحمل جرحا عميقا ،عساه يلتئم بتمتعه بمباهج مدينة بكاملها،فلقد انطلق والدنيا لا تسعه فرحة فذاب في أسواقها العتيقة يزاحم أهلها بمتعة وانصهر في أحشائها ووديانها وروابيها وعانق أمواجها و افترش ظلالها ووقف عند ضريح لالّا ستِّي، فتذوق إحدى مقاماتها الصوفية ،ووقف أمام المنصورة يحاور التاريخ الذهبي،فهو أكبر من أن يختزل في سطور سياحية . وصفعه الموج وانفلتت الأملاح إلى جوفه وغاص في الرمل وتاه في البساتين وابتلعه الحوض الكبير بحديقته الإشبيلية التي جاد بها الزمن ،حوض لا تنزل الأحزان ساحته ،وابتهج بموكب الغيد يتهادى أمامه أهي أغصان أم أطيار أم أوراد تزرع السحر والجمال والفن لكل ناظر ؟ ردّد لنفسه " يا لها من سرها الباقي ويا لي لوعة الشادي ووهم الشاعر " وتوقّف عن سرد مباهج مدينة ذات الصولة والصولجان،كما فعلت شهرزاد عن الحكي لشهريار،فالعملية أصعب من ذلك فهي إذن كما يعدّ النجوم في السماء وهو الأمر الذي دفعه إلى أن يستقلّ حافلة بعد أن انقضت الأيام وغربت كما تغرب الشمس هذا المساء،وقفل راجعاً إلا من فؤاد انفلت من جنبه كما ينفلت الطفل المشاكس من أمه ويعدو مبتعدا معلنا تمرده ومصرا على البقاء .فالحافلة تشق طريقها صوب الجنوب ولا تزال لم تنج من قبضة البساتين ذات النسمات المخلوطة بالرطوبة المنعشة . واعتدل في جلسته وهو يحس بالخواء ،فلا يمكن استرداد الفؤاد بالسهولة التي يظن وحتى يخفّف من حدّة هذا الفقد علّل نفسه بالعودة مستقبلا،ومؤيدا قرار فؤاده الذي كان مكرها وليس بطلا ،فالمدينة حب جذّاب وجمال أخّاذ وسحر فعّال وكوكب وضّاء ...
وأراد الرجل الجنوبي أن يواصل في الإطراء ،سيما وأن أمامه ليلة سفر كاملة يسامرها لسد الفراغ ، لكنه توقّف عن ذلك لما عاد اللحن المميز من راديو الحافلة شاكرا إياه كونه ناب باختصار عنه "هذه فاتنة الدنيا وحسناء الزمان بُعثت في زورق مستلهم من كل فن " .ومع الأيام،وطّد نفسه على أن يتعلّم كيف يمحو وكلما حاول ذلك إلا ورقصت بخاطره،فعلم أن فكرة خلاصه منها بات من المستحيلات
وسأل يغموراسن في استحياء،لماذا اتخذ هاته المدينة عاصمة له و استراح فيها على حين أتعبت الآخرين بمباهجها من بعده وسلبت الأفئدة ؟وكذلك ستفعل ....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.