أضحى خطر صعود المياه الجوفية يهدّد قلب مدينة وهران حيث غمرت أقبية الكثير من المباني بوسط المدينة و خاصّة تلك المتواجدة بشوارع حمّو بوتليليس الأمير عبد القادر الأخوات بن سليمان محمّد خميستي و العربي بن مهيدي و غيرها و لم تسلم لا المباني و لا وكالة بنك التنمية المحلية المخصّصة لرهن الذهب و لا واجهة البحر من نشاط الأودية التي تعبر المنطقة و قد تفاقم المشكل في السّنوات الأخيرة لعدّة عوامل أوّلها الورشات الكبرى التي رخّص لها بدون دراسات معمّقة و عدم استشارة و لا إشراك المصالح المعنية في الأشغال ،أضف إلى ذلك اهتراء قنوات الصّرف العملاقة بسبب غياب الصيّانة و الترميم و ما زاد من تفاقم الوضع ،إقدام بعض المصالح على سدّ المنافذ التي كانت تصرف المياه الجوفية و خلال إنجاز هذا التحقيق بقيت العديد من علامات الاستفهام بدون جواب فمشكل صعود المياه الجوفية إلى السّطح لم يجد حلولا رغم أنه طرح منذ سنة 2008 عندما انفجرت المياه أسفل بنك رهن الذهب و منذ ذلك التاريخ زاد منسوبها و حجم تدفقها فغمرت عدد كبير من الأقبية و ما زاد الوضع تعقيدا هو الآبار التي حفرت هنا و هناك في فترة الجفاف ما سهّل صعود الماء خاصّة في الفصول الممطرة و أمام كل ذلك يظل الوضع على حاله ،فبلدية وهران تخلي مسؤوليتها ممّا يحدث كون مجال التطهير من مهام شركة سيور وهذه الأخيرة تؤكّد بأن مهامها محدودة أما مديرية الري فتنتظر ميزانية كبيرة تفوق 60 مليار سنتيم كانت قد طلبتها من الوصاية في 2011 لترميم القنوات العملاقة المياه الصّاعدة ملأت الأقبية و ألحقت أضرارا بالمباني و يجمع الخبراء على أن القلب النابض لمدينة وهران تضرّر بفعل التدخلات غير المدروسة و العشوائية لبعض الجهات ما أدّى إلى تغيير مجاري الأودية الجوفية خاصّة واد الرّوينة ،حيث اكتشفنا خلال التحقيق الميداني أن و لا هيئة تعلم يقينا المجرى الحالي لهذا الوادي . و كل الاحتياطات التي إتّخدت من طرف المهندسين الفرنسيين إبّان الحقبة الاستعمارية من أجل حماية وسط المدينة من المياه الجوفية بتحديد المناطق غير الصّالحة للبناء و إنجاز شبكة من القنوات العملاقة على طول 84 كلم لمنع صعود المياه قد تمّ خرقها خلال 10 سنوات الأخيرة . فقد حافظت مدينة وهران منذ الاستقلال على طابعها المعماري و بشكل خاص بالمدينة القديمة "سيدي الهواري الدّرب قطاع الأمير" ،لكن ظهور الطّابع المعماري الحديث و المباني المرتفعة التي تستلزم حفرا عميقا لإنجاز طوابق تحت الأرض أحدث خللا في تضاريس المنطقة و غيّر مجاري عدّة أودية باطنية ،و واد الروينة أكبر دليل على الأضرار التي لحقت بالمباني ،فالمهندسين الفرنسيين وضعوا شبكة من القنوات العملاقة تحول بين الأودية الباطنية و السّطح و وضعت على القنوات منافذ صرف تمنع صعود المياه إلى أعلى . لكن بعض أشغال البناء الأخيرة لم تحترم هذه الخصوصية فحوّلت الأودية عن مجاريها و بات اليوم السّكان و خاصّة أصحاب المحلات المحلاّات يعانون أكثر من غيرهم من صعود المياه بالطوابق السفلية للمباني ،و الشكاوى المتكرّرة إلى المصالح المعنية لم تعد بنتيجة . و لم يجد هؤلاء المتضرّرون من حلّ سوى الاستنجاد بمضخات كبيرة لتصريف المياه حيث يبلغ حجم التدفّق ببعض المناطق مثلما يحدث ببنك رهن الذهب حوالي 8 م3 مكعّب في اليوم أي ما يعادل 10 لترات في الثانية.كما علمنا أيضا بأن أصحاب بعض المحلات بالعربي بن مهيدي و خميستي استعانوا كذلك بالمضخّات لتصريف المياه الصّاعدة و حسب الخبراء يؤثّر هذا التدفق المستمرّ منذ 8 سنوات على أسس المباني و يتسبّب في تآكل الدّعائم أو انزلا ق الأرضية و قد تكون عواقبه وخيمة فالماء هو العدو الأوّل للمباني و هذا السيناريو ليس من نسج الخيال و إنّما وقع مرارا كحادثة شارع الأخوات بن سليمان في سنة 2002 الذي أيقظ المسؤولين المحلّيين آنذاك من غفلتهم ،و رغم ذلك تكرّرت الانزلاقات في هذه المنطقة كان آخرها في شتاء العام الماضي. واجهة البحر في خطر و سخّرت شركة سيور وسائل كبيرة في محاولة منها لإصلاح ما أفسدته المياه و لكن تبقى مثل هذه الورشات مجرّد أشغال ترقيعية لأن أصل المشكل يظل بدون علاج ،كما دقّ الخبراء ناقوس الخطر بأن صعود المياه بات يهدّد جزء من واجهة البحر و الذي هو عبارة عن جسر مرفوع بأعمدة تهدّدها المياة الجوفية التي تتدفّق إلى يومنا هذا أسفل المنشأة