- بنت البدو الرّحل ألفت المكان وصارت مدللة الطاقم الطبي والعمال. - التكفل بالمريضة ترجمة للجانب الإنساني للمستشفى.
في حالة غريبة قد تحدث لأوّل مرّة في المؤسسات الاستشفائية المتواجدة بالعالم ترقد امرأة بالمستشفى لمدة 23 سنة، إنها الآنسة (ل.رشيدة( البالغة من العمر 32 سنة التي اتخذت من المركز الإستشفائي الجامعي الدكتور "بن زرجب" مأوى لها، بعد أن تخلت عنها عائلتها. حيثيات قصة هذه المريضة التي تنتمي إلى عائلة فقيرة من البدو الرّحل، المولودة بتاريخ 01-12-1983 بدائرة "بوعلام" التابعة إقليميا لولاية "البيض" ، تعود إلى تاريخ 25 فيفري من عام 1993، أين دخلت إلى ذات الصرح الصحي وعمرها لا يتجاوز التسع سنوات نتيجة التهاب في المفاصل حال دون قيامها بأي حركة، أي أنّ جميع أعضاءها أضحت مشلولة بالكامل. وبعد مضي مدة 5 أشهر وتحديدا بتاريخ 16 أوت من عام 1993 قام الطاقم الطبي بذات المستشفى بإرسالها للعلاج بمستشفى" ريمون بوانكاريه" بمدينة "قارش" الفرنسية، أين بقيت للعلاج لمدة 3 أشهر كاملة، ليتبين بعد التشخيص الطبي أنها تعاني من مشكل صحي على مستوى العمود الفقري، لتعود بعد ذلك إلى أحضان سريرها بالمستشفى الجامعي الدكتور" بن زرجب". مرت 5 سنوات على الطفلة (ل. رشيدة( ، ولم يأت أحد من أفراد عائلتها لزيارتها أو الاستفسار عن حالها، لا يعلمون إن كانت على قيد الحياة أو أنها فارقتها، بالرغم من مراسلة إدارة المستشفى لعائلتها في الكثير من المرات، لكن لا حياة لمن تنادي. نظرت إليها مصالح المستشفى بعين الرأفة وحاولت إعادتها إلى عائلتها ولمّ شملها بولاية "البيض" فقامت بتحويلها إلى أحد المستشفيات المتواجدة بذات الولاية، إلاّ أنّ الحالة الصحية ل (رشيدة( كانت صعبة نوعا ما، الأمر الذي دفع بذات المستشفى الذي مكثت به مدة أسبوع كاملة إلى إعادتها إلى المركز الإستشفائي الجامعي بن زرجب، ومنذ ذلك الحين وهي ترقد بمصلحة الإنعاش والعناية المركزة المتواجدة بالجناح رقم 5 بمستشفى "بن زرجب". هذه الحالة التي ربما تعد الأولى من نوعها في العالم دفعتنا إلى التوجه إلى المركز الإستشفائي الجامعي والبداية كانت من الوحدة التي ترقد فيها لمدة 22 سنة، أين كان لنا دردشة مع الأستاذة في التخذير والإنعاش البروفيسور "شويشة بدرة"التي أكدت بأنّ الآنسة (ل.رشيدة( بالنسبة إليها هي أكثر من مريضة بل تعتبرها بمثابة ابنتها، وتعمل رفقة الطاقم الطبي وشبه الطبي على إنقاذها من الموت بالرغم من الحالة الصحية الحرجة التي هي عليها، خصوصا وأنها تعتمد في عيشها على جهاز التنفس الاصطناعي، كما تحتاج إلى عناية دقيقة ومركزة. سيارة إسعاف تحت تصرف المريضة كما أضافت محدثتنا أنه ونتيجة المجهودات الجبارة التي يقومون بها لم تتعرض هذه المريضة لأي طفحات جلدية بالرغم من تمددها على السرير لمدة 22 سنة، كما أنها لم تصب بأي أمراض متنقلة أخرى ، حيث يقوم الأعوان الشبه طبيون بتغيير الحفاضات الخاصة بها من حين لآخر، مبرزة أنّ العناية بها تحوّلت من واجب إلى متعة، لأن (رشيدة ( أصبحت فلذة كبدهم، مضيفة بأنها رفقة العاملين معها يخافون عليها وكأنها ابنتهم أو أكثر من ذلك، موضحة بأنّ هذه المريضة أصبحت أمانة متوارثة بين الأطقم الطبية التي تمرّ بمصلحة الإنعاش والتخدير، حيث تم توفير لها - حسب ذات المصدر - جميع الضروريات والكماليات من طرف الطاقم الطبي والشبه طبي العامل بذات الجناح وكذا إدارة المستشفى، التي وضعت سيارة إسعاف تحت تصرفها، لإخراجها من المستشفى والترويح عنها، فمرات يتم أخذها إلى البحر، وأحيانا أخرى يتم تسطير لها رحلة إلى الغابة، كما يتكفلون أحيانا بأخذها إلى المطاعم ....وغيرها من الأمور التي تساعد على إبقاء البسمة مرسومة على وجهها. فيما أضافت البروفيسور "شويشة بدرة"، أنّ إدارة المستشفى تعمل على توفير لمرضاها كلّ الظروف المواتية ، من تجهيزات حديثة وتهيئة....إلى غير ذلك من الأمور التي تعود بالفائدة على المريض بالدرجة الأولى. تقربنا من الآنسة (ل.رشيدة ( في الوقت الذي كان فريق من الشبه طبيين يقومون بالاعتناء بها، أين استقبلتنا بابتسامة عريضة، تترجم من ورائها إرادة كبيرة في العيش وحب الحياة بالرغم من أنها طريحة الفراش ليس ليومين أو أسبوعين وإنّما لمدة تقدرب 22 سنة ، وهي الفترة التي ليست بالهينة. سألناها عن مدى اهتمام المستشفى بها، فأجابتنا باختصار بعبارة "الحمد لله، أنا بخير" والابتسامة لا تفارق وجهها، لاحظنا ونحن بغرفتها وجود جهاز تلفاز من نوع "بلازما" وغيرها من الأغراض التي تحتاجها، والتي أفادت بشأنها البروفيسور "شويشة بدرة"، أنّ هنالك العديد من الجمعيات الخيرية والمحسنين الذين يهتمون بطلبات الآنسة (ل.رشيدة(، بالإضافة إلى الأطباء المقيمين الذين ينهون تكوينهم بذات المستشفى، وفي مقدمتها الاحتفال بعيد ميلادها. وفي نفس السياق أكد المكلّف بالإعلام بمستشفى "بن زرجب" الجامعي السيد "كمال بابو" بأنّ هذه المريضة التي قصدت المستشفى وهي طفلة لتصبح امرأة في الثلاثنيات من العمر، يتم التكفل بها على أنها أكثر من مجرد مريض، حيث يتعامل معها المستشفى معاملة خاصة، إذ تحوّلت مع مرور السنين إلى الأخت والابنة والصديقة ، فعائلتها- حسب محدثنا- فقيرة وليس لديها الإمكانيات اللازمة للتنقل إلى ولاية وهران، الأمر الذي دفع بالمدراء المتعاقبين على تسيير هذا المستشفى يتبنون هذه المريضة، ويتكفلون بها في مختلف المجالات. وفي الأخير لا يسعنا القول سوى أنّ هذه القصة الفريدة من نوعها والتي يعتبر بطلها المستشفى الجامعي الدكتور "بن زرجب" ما هي إلا ترجمة للجانب الإنساني البعيد عن الواجب المهني لكلّ القائمين على المستشفى من إدارة، أطباء و أعوان شبه طبيين فضلا عن أعوان الأمن لاسيما منهم الناشطين بوحدة الإنعاش والعناية المركزة بالجناح رقم 5.