محلات تعج بالزبائن و أرباب عمل يسيطرون على المستهلك صارت محلات " الفاست فود " و المطاعم تنافس بقوة أكل المنزل و الأطباق الشعبية التي طالما عبرت عن تقاليد مجتمعنا وعاداته منذ الأزل ، إذ لا نمر على محل إلا و نلمح عشرات العائلات وهي تلتهم السندويش و قطع البيتزا بشراهة غير آبهة أو مقدرة لخطورة الطعام المعد خارج المنزل ، و الأسوأ من ذلك أن هؤلاء الأشخاص لا يقصدون هذه المطاعم بين الهينة و الأخرى بل في معظم الأوقات ، ما طرح الكثير من التساؤلات سبب تعلقهم بالأكل الخفيف و ابتعادهم عن الطاجين و الأطباق المنزلية ، لذلك قررنا القيام بجولة استطلاعية وسط مدينة وهران و زيارة بعض محلات " البيتزا " و" الفاست فود " علنا نجد أجوبة لتساؤلاتنا و استفساراتنا .. كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار عندما دخلنا إلى محل للوجبات السريعة بحي خميستي كان يعج بالزبائن أغلبهم من فئة الشباب ، .. فتفاجأنا بالاكتظاظ الذي يشهده هذا الأخير بسبب ضيق المساحة ..كان النادل يتصبب عرقا وهو يحاول تلبية طلبات الزبائن من هنا وهناك ، ففي كل مرة كان يصرخ " عندك واحد سبيسيال و 2 بيتزا روايال " ، " عندك طبق ايسكالوب وآخر مرقاز " ..وهكذا إلى حين أن نادانا طالبا منا الجلوس حتى لا نقف كثيرا ..وبالطبع سارعنا إلى الطاولة التي كان يجلس بها شابين كانا في الحقيقة منهمكين في الأكل بشراهة دون أن يتحدثا أو حتى ينظرا من حولهما ...فبادرنا بسؤال أحدهما هل يقدم المحلات أكلات خفيفة جيدة ..؟؟ ، فرد متأكد : بالطبع احنا نجو ناكلوا عنده كل يوم ..ماكلة نقية وشابة .." ، وقبل مواصلة الحديث سألتنا سيدة كانت رفقة ولديها فيما إذا كنا قد أنهينا الطعام حتى تأخذ مكاننا ، فتركنا لها الكرسي وغادرنا المحل رغم إصرار النادل على البقاء " خوتي اسمحولي كولو حاجة و الله يلا لهيت عليكم شوية .." ، وغير بعيد عن المكان لمحنا توافدا غير معقول على محل للبيتزا ، فدخلنا بسرعة حتى نحجز طاولة ولا نتعرض للإهمال كما حدث معنا في المحل الأخر ، وبينما نحن ننتظر النادل حتى طلب منا صاحب المحل التوجه نحوه لدفع ثمن الأكل قبل تناوله ..فتعجبنا من نبرته الصارمة ولهجته الشديدة ، ما جعلنا نبدي استياء كبيرا من معاملته الوقحة لنا فرد ساخرا " اللي ياكل مرحبا بيه و اللي ما بغاش الله يسهل عليه .." ...حينها فقط تأكدنا أن أصحاب هذه المحلات أصبحوا يهيمنون بشكل كبير على السوق الاستهلاكية ، بل صاروا يتحكمون في الأسعار ويفرضون سلطتهم على المواطن .. جولتنا هذه التي لم تتوقف عند هذين المحلين فقط بل تعدت إلى محلات أخرى بوهران جعلتنا ندرك أن ثقافة " الفاست فود " و الوجبات السريعة باتت تشكل خطرا كبيرا على أكلاتنا الشعبية و أطعمتنا المنزلية التي يبدو أنها لن تعمر طويلا .. كما أيقنا أن الأكل خارج المنزل صار عادة و تقليدا شعبيا لا يمكن أبدا الحد منه مهما تفننت ربة المنزل في طهي أطباقها و تنميق طاولتها ..