تعرف ولاية وهران بكثرة رجال المال والأعمال، وفي الجهة المقابلة تعتبر هذه الولاية ملجأ للعديد من العائلات الفقيرة في ظل استفحال ظاهرة البخل وسط هؤلاء الأثرياء الذين أضحت نسبة الذين يتصدقون منهم قليلة وقليلة جدا. وهي في تراجع مستمر يوما بعد يوم كون الجشع واللا قناعة أصبحا هما سيّدا الموقف، بالرغم من أن هذه الصدقات فرضها الله علينا والمعروفة بالزكاة والتي هي ركن من أركان الإسلام الأساسية وهي فريضة على كل مسلم تتوفر فيه شروطها، والذي عليه اخراجها لمستحقيها وقد ورد لفظ الزكاة في القرآن الكريم مع الصلاة في أكثر من 80 آية. وحتى يكون لهذه الصدقات معنى وتوجه لمستحقيها تم وضع صناديق خاصة بالزكاة عبر كل بيوت الله تعالى الموجودة على مستوى القطر الجزائري لتقسم في الأخير على المحتاجين حسب الأولويات وذلك حتى تكون لها فائدة على المجتمع أجمع. فصندوق الزكاة إذن هو مؤسسة دينية تعمل تحت اشراف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف التي تضمن له التغطية القانونية بناء على القانون المنظم لمؤسسة المسجد، علما أن هذا الصندوق يتكون من (3) أطراف تنظيمية والمتمثلة في اللجنة القاعدية والتي تكون على مستوى كل دائرة مهمتها تحديد المستحقين للزكاة بكل دائرة، وللإشارة أن لجنة مداولاتها تتكون من رئيس الهيئة، رؤساء اللجان المسجدية، ممثلي لجان الأحياء، ممثلي الأعيان وكذا ممثلين عن المزكين، أما الطرف الثاني والذي يمثل هو الآخر مستوى آخر لصندوق الزكاة فيتمثل في اللجنة الولائية والتي تكون على مستوى كل ولاية، وتوكل إليها مهمة الدراسة النهائية لملفات الزكاة على مستوى الولاية وهذا بعد القرار الإبتدائي على مستوى اللجنة القاعدية وتتكون لجنة مداولاتها من رئيس الهيئة الولائية، كبار المزكين، ممثلي الفيدرالية الولائية للجان المسجدية، بالإضافة إلى رئيس المجلس العلمي للولاية وكذا طرف قانوني، ومحاسب، طرف اقتصادي ، ناهيك عن مساعد اجتماعي ورؤساء الهيئات القاعدية. أما الطرف الثالث والأخير فيتمثل في اللجنة الوطنية والتي تتكون من المجلس الأعلى لصندوق الزكاة والذي بدوره يتكون من رئيس المجلس، رؤساء اللجان الولائية لصندوق الزكاة، أعضاء الهيئة الشرعية، ممثل المجلس الإسلامي الأعلى، ممثلين عن الوزارات التي لها علاقة بصندوق الزكاة، كبار المزكين، فضلا عن مجموعة من اللجان الرقابية التي تتابع بدقة عمل اللجان الولائية وتوجهها ثم أن مهامه الأساسية تكمن في كونه الهيئة المنظمة لكل ما يتعلق بصندوق الزكاة في الجزائر. حصيلة لا ترقى إلى الهدف وما تجدر الإشارة إليه أن المزكي الإمام وكذا لجان الأحياء هم الذين يشرفون على توزيع الزكاة وتقوم الإدارة بالمصادقة على ما يجمعونه وبالتالي فصندوق الزكاة هو صندوق المواطنين الذين يجمعون زكاتهم بطريقة منظمة ويوزعونها بأنفسهم على من يستحقها فعلا. لكن الأمر الملاحظ بولاية وهران أن صناديق الزكاة فارغة ولا تجمع سوى القليل من الدنانير المتناثرة هنا وهناك وذلك حسب المحاضر الشهرية التي اطلعنا عليها على مستوى مديرية الشؤون الدينية بولاية وهران والتي يسلّمها كل إمام إلى مكتب الزكاة بصفة شهرية بعد أن يدفع المبلغ المجموع إلى الحساب البريدي الجاري 7733541/32 علما أنه شهريا كذلك يرسل مركز البريد المعلومات الخاصة بالمبلغ المجموع من أجل استثمارها خلال شهر مارس في مشاريع هامة، لكن بشرط أن تفوق القيمة المالية لهذا الصندوق أو تساوي 500 مليون سنتيم، لكن ما يجدر التنبيه به أنه جمع خلال السنة المنصرمة 2010 ، 490 مليون سنتيم، والتي لم يتم استغلالها في المشاريع وإنما تم توزيعها على الفقراء والمساكين. أما خلال سنة 2009 فقد تجاوز المبلغ المزّكي 500 مليون سنتيم وقد تم استغلالها كالآتي 50 بالمائة للفقراء والمساكين، 37.5 بالمائة للإستثمار وذلك في حالة توفر الشروط، فضلا من 12.5 بالمائة مخصصة تغطية مصاريف صندوق الزكاة وللعلم أن المشاريع التي استفادت منها الولاية خلال هذه السنة (2009 ) تقدر ب 14 مشروعا إستوفت في أصحابها الشروط اللازمة والمتمثلة في محلات للحلاقة ، مشاريع خاصة بسيارات الأجرة، غرف للتبريد، ورشات للميكانيك، مشاريع لصناعة الحلّي، خياطة الكراسي محلات خاصة بالتصوير الفوتوغرافي وكذا فضاءات للتجارة العامة وقد تباينت مبالغ الإستفادة من الأموال بحيث هناك من تحصل على 7 ملايين سنتيم، وهناك من استفاد من 18 مليون سنتيم، ناهيك عن 19 مليون سنتيم، علما أن هذه الأموال لا تساهم بتغطية المشروع بنسبة مائة بالمائة وإنما هي مجرد مساعدات لا غير . وبالتالي فصندوق الزكاة الخاص بالسنة الجارية 2011 يرتقب هو الآخر أن لا يكون أمواله محل استثمار وذلك كما ذكرنا سابقا وحسب المحاضر التي اطلعنا عليها لاحظنا أن العديد من صناديق الزكاة الخاصة ببعض المساجد الموزعة على مستوى وسط المدينة فارغة تماما ولا يوجد بها ولا مليم على عكس بعض القرى لا سيما منها المتمركزة ببلدية الكرمة والتي تزّكى سكانها ب 10 ملايين سنتيم فيما إطلعنا على محضر آخر خاص ببعض البلديات والمدّون عليه مبلغ 200 دينار فقط، هذه القيمة المالية التي تمّ جمعها طيلة شهر كامل وهو الأمر الذي يعتبر محتشما بالنسبة لولاية تعتبر قطبا تجاريا، صناعيا وسياحيا هاما على مستوى الغرب الجزائري فالكل أضحى يتساءل عن غياب المزكين وجهة أموالهم، هل حقيقة تذهب إلى مستحقيها؟ أم العكس وهل يتم تنظيم حملات تحسيسية من حين إلى آخر لهؤلاء الأثرياء الذين نسوا ظاهرة الفقر التي هي جزء من هذه الحياة أم لا ؟! هؤلاء الأغنياء أضحى ينطبق عليهم المثل الشعبي التالي :»الشبعان ما دري بالجيعان« في ظل عدم تفكيرهم في الفقراء الذين قد نجد الكثير منهم من لا يتكملون عن أمورهم الشخصية ظنّا منهم أنهم يشاركون المتسولين في نشاطهم بالرغم من أن هناك الكثير من المحتاجين الذين لا يجدون حتى ما يقتانون به فتجد على لسانهم فقط عبارة » الحمد لله« هذا من جهة ومن جهة أخرى يعود السبب الثاني إلى توجيه (ربّما) هؤلاء الأثرياء زكاتهم إلى جهات أخرى كونهم يظنون بأن عملية تدعيم المشاريع أمور غير ممكنة في ظل كما ذكرنا وجود بعض العائلات التي لا مأوى ولا ملبس وحتى مأكل لها، وبالتالي فهذه الأمور يمكن أخذها بعين الإعتبار وهنا بإستطاعتنا أن نطرح السؤال التالي هل هذا المستفيذ من أموال صندوق الزكاة سيصدق على المحتاجين مستقبلا أم لا ؟ وهو الأمر الذي يدفع المزكين والأثرياء إلى التراجع عن المساهمة في صندوق الزكاة. فضلا عن هذا هناك جهات أخرى تقدم المساعدات في مجال تحقيق المشاريع مثل الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب وكذا الوكالة الوطنية لتسيير القروض المصغرة، وبالتالي يرجو بعض المزّكين أن يبقى صندوق الزكاة خاصا بالمساكين والمحتاجين من دون تدعيم المشاريع التي من الممكن أن يغير أصحابها رأيهم ويتخلون عنها في يوم من الأيام، وتذهب أموال الزكاة تلك في مهبّ الريح ويبقى المحتاج يزداد احتياجا وفقرا. وللعلم أن الوثائق المراد دفعها للإستفادة من أموال صندوق الزكاة تتمثل في صورتين شمسيتين، شهادة عدم تقاضي الأجر، طلب خطي موقع من طرف المستفيد، فضلا عن نسخة من شهادة الميلاد وشهادة الإقامة وكذانسخة مصادق عليها من بطاقة التعريف الوطنية بالإضافة إلى نسخة مصادق عليها من السجل التجاري أو كل شهادة تسمح بممارسة النشاط المزمع القيام به والمتمثلة في بطاقة الحرفي، بطاقة الفلاح، اعتماد... إلى غير ذلك، أو فاتورة شكلية للعتاد أو دبلوم بالنسبة للمشاريع التي تتطلب مهارة مهنية خاصة أو نسخة من عقد الملكية أو الإيجار الخاصة بالمحل المخصص للمشروع. الزكاة تستنجد وبالتالي وبالرغم من تعطش صندوق الزكاة إلى الأموال وتوجيهها إلى جهات أخرى يبقى هذا الركن ذو فائدة كبيرة وذو أهمية بالغة لها أهداف واحدة ما دامت تدخل السرور والفرح إلى قلوب المحتاجين. فقد فرض الله (عز وجل ) على المؤمنين ذوي الأموال زكاة تدفع للمحتاجين منهم والمصالح العامة من أجل المنفعة لقولة تعالي:»إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم«، فهي إذن تزكي أخلاق المعطي وتطهره من الشح والبخل والأخلاق الرديئة وتنمي أخلاقه فيتصف بأوصاف الكرماء المحسنين، الشاكرين كما أنها تنّمي أجره وثوابه وتشرح الصدو وتفرح النّفس، وتجعل الإنسان يتصدق ليسد حاجة الفقراء والمساكين كما تجعل الزكاة المجتمع الإسلامي وكأنه أسرة واحدة يضفي فيه القادر على العاجز والغني على المعسر فيصبح الإنسان يشعر بأن له اخوانا، يجب عليه أن يحسن إليهم كما أحسن الله إليه لقوله تعالى:»وأحسن كما أحسن الله إليك«، هذا وللزكاة دور آخر يتمثل في كونها تطفي حرارة ثورة الفقراء لأن الفقير قد يغيظه أن يجد الرجل يركب ما يشاء من المراكب ويسكن ما يشاء من القصور ويأكل ما يشتهي من الطعام وهو لا يملك شيئا من هذا، وبالتالي وإذ جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم. فضلا عن هذا تمنع الزكاة الجرائم المالية كالسرقات، النهب، السطو، وتنجي من حر يوم القيامة لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) » كل إمرىء في ظل صدقته يوم القيامة« هذا ناهيك عن كونها تزكي المال بمعنى تنميه، وربما يفتح الله تعالى للمزّكي زيادة رزق بسبب هذه الصدقة لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :» ما نقصت صدقة من مال«، كما أنها تكفر الخطايا لقوله عليه الصلاة والسلام »الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النّار«. وللعلم أن الزكاة توجه إلى صندوق الزكاة بواسطة ثلاثة طرق وهي الحوالة البريدية، الصك البنكي، أو البريدي، ناهيك عن الصناديق المسجدية، كما يمكن للجالية الجزائرية المتواجدة بالخارج المساهمة في صندوق الزكاة بالأموال، وذلك بتحويل مبلغ الزكاة إلى الحساب الوطني لصندوق الزكاة رقم (4780-10) عن طريق حوالة دولية. وفي الأخير نستطيع القول بأن صناديق الزكاة بوهران مشتاقة لمن يسقيها ببعض الدنانير، هذه الأخيرة التي لرّبما هي فعلا توجه لمستحقيها بدلا من تسرّبها إلى المجهول بواسطة صندوق الزكاة الذي أضحى يتشارك فيه الفقير مع أصحاب المشاريع!!!؟؟؟؟