طك... طك ..طك. طك ... طك ( دقات تتوالى على الباب) من الطّارق..؟ يتناهى إلي صوت صارخ مرتاب.. أنا؟ أقول متلطّفا.. من أنت؟ أنا ناصر ..ن ..ن ..ناصر سالمي. من هذا النّاصر السالمي؟ يقول الصّوت وقد خفّت حدّته قليلا.. أنا أستاذ التّعليم الثّانويّ الحائز على جائزة كتارا للرّواية العربية . فجأة أسمع جعجعة وصريرا، وتتهاوى أمامي أقفال وأصفاد، وتتفتّح كوى وثقوب ونوافذ وأبواب خلفها أبواب.. كأنّي جنّيعلاء الدّين في زمانه، فرشت لي البسط، وزمّت لي الرّيّح.. وها من قمقمي خرجت.. ها من جبّي اليوسفيّ خرجت... فالله الله !! كم هي موجعة لحظة الولادة ! ربّما لذلك قدّر الله للرّضيع أن ينساها.. وقدّر لي أن أولد مرّتين، مرّة يسجّلني والدي في سجلّ المواليد لعام 1968، ومرّة تسجّلني كتارا في سجل الرّوائيين لعام2016 .. وأكتشف وقد قاربت الخمسين لذة البدايات، ومتعة اللهفة، ورعشة التّعلّم. فاسمحوا لي، يا سادتي القرّاء أن أسوق إليكم بعض الأسئلة التي تلحّ عليّ، وتتسابق لتقفز على هذه الأسطر العطرة بأنفاسكم الزّكيّة. لماذا كتارا؟ ولماذا لا يحظى زامر الحي بإطراب؟ هل يجب علينا دائما أن ننتظر شمسا تسطع من شرقنا العربيّ؟ أو نجما يلمع في الغرب، لنحشد له اللحون الزّكيات، وندفع إليه بالمدائح والتّبريكات؟ وماذا لو لم تكن كتارا؟ أكان أحد سيسمع بابن تغنيف الذي يكتب في جبّه اليوسفيّ؟ وكم هم هؤلاء الكتاب الذين يرزحون تحت نير التّهميش؟ وكم هم كثر هؤلاء الذين تقطع أحلامهم بمقصلة الإهمال؟ كم هم كثر هؤلاء الذين ينزفون في صمت؟ فشكرا كتارا لأنّك وضعت اليد على الجرح، وعلّمتنا أن زامر الحيّ يطرب أيضا. وشكرا لك يا أيها القلب العظيم، شكرا يا سيدي واسيني لعرج..على هذه الكلمات: " سالمي ناصر يفوز بجائزة كتارا عن الفئة الثانية، النص غير المنشور، على روايته الألسنة الزرقاء. ها هو كاتب شاب، في عزلته، وخارج الضجيج والندب على غياب الأدب الجزائري من جائزة كتارا، وكأن المسألة مسألة محاصصة وليس مسألة إبداعية أولا وأخيرا، وخارج نظام الترتيبات البائسة يحصل على واحدة من أكبر الجوائز العربية. سالمي ناصر غاب عن حفل الاختتام، لكنه حضر بإبداعه. " هذه الكلمات التي نثرتها على صفحات الفضاء الأزرق للفيسبوك، فأورقت، وأزهرت بآلاف البسمات، والتّحايا.. كم كنت عظيما وأنت تترجّل من صهوة مجدك الأدبيّ، لتغرس في أرض الجزائر اسمي الصغير، وتتعهّده بالرّعاية ، فأيّ قلب هذا الذي تضمّه بين جنبيك؟ سيدي شكرا لك. وألف ألف شكر لقرّائك، ولجميع الذين تعاطفوا معي ..