الأقراص المضغوطة لفيروز التي رأيتها لأول مرة في المعهد العربي بباريس و لم أكن املك المبلغ الكافي لشرائها تركت هالة حزن بداخلي، فاضطررت لمغادرة المكان بغصة، لم ترقني الأجواء الباريسية في ذاك المساء ، و لا أذكر يوما أني تخلفت عن المسير في مواكب فيروز المتوقدة فرحا ودهشة ، فيروز بصوتها الاستثنائي الذي ليس شبيه أثرتني بصدق و ألهمتني بسحاء ,صاحبتني في رحلتي عبر السطور و ألأوراق تجتمع أغاني فيروز علي أن الانتماء واحد إلي وطن الإنسان بمختلف ألوانه وأعراقه و معتقداته في قصائد المحبة ووطني لبنان .تصدح حنجرتها بالآلام المنفي و أوجاعه في من يوم تغربنا و لا يدوم اغترابي و احترف الحزن و الانتظار .و البلاد العربية أزهرت ربيعا في أغانيها مصر عادت شمسك الذهب ,قرأت مجدك ,نسمت صوب الجنوب ,يا جسرا خشبيا ,غنيت مكة و بغداد و الشعراء وغيرها .و عن فلسطين الجرح الغائر أتت أغاني فيروز بزخم مدوي يشحذ الهمم ,يبعث أمالا بالعودة و يقينا بالنصر في الغضب الساطع ,نيسان، القدس العتيقة ، غنت للأمهات و جعلتهن قديسات و ملكات في" أمي يا ملاكي" و " أمي الحبيبة"، البراءة أيضا شرعت لها أنغامها في شمس الأطفال" تك تك يا أم سليمان" ، " يارا جدايلها شقر"، أنا و شادي ......وأما الحب فتحاكي تفاصيله،تعذباته و خذلانه بوجد ورقة .بعفويه و بالأكثر رقي و بلا تجريح أو أحقاد في بعدك علي بالي، يا ريت ، إشتقتلك ، بكرا و أنت و جاي،طريق النحل، طلعلي البكي ، و تعا و لا تجي و تطول القائمة .. أغاني فيروز وخز مورفين صباحي يتردد صداها من شبابيك البيوت والشرفات مع عبق القهوة، في الزوايا المظلمة والمقفرة علي أرصفة المقاهي و الزقاقات، يسمعها المجانين و الباعة المتجولون، العامة والبسطاء ، إنها اللؤلؤ المنثور علي قصائد الشعراء ونصوص الأدباء، أنس حكايات العشاق ومواعيدهم المسروقة ورفيقة السهر دفء الشتاء وصقيع المنافي .فيروز باختصار شريان المحبة و تجذر الإنسان والوطن .