يرى الحكواتي الجزائري المقيم بفرنسا عزيز بوصلاح، أن التراث الشفهي ببلادنا لم يحظ لحد الساعة بالإهتمام اللازم، رغم ما يزخر به من حكايا، وعليه فهو اليوم بحاجة ماسة الى التفاتة جادة وعمل جيد، من أجل تثمين موروثنا الثقافي وابرازه وكذا تقديمه في أحسن صورة وبإحترافية عالية، التي أضحت جد مطلوبة في الوقت الراهن، معتبرا في الوقت نفسه أن الجمهور الجزائري من أحسن الجماهير، التي صادفها في حياته وفي مساره الفني، لاسيما الأطفال، ممن التقاهم في العديد من العروض الفنية التي قدمها بالجزائر العاصمة وبمختلف المدارس التربوية بوهران، حيث لمس في هذه الخرجات إهتمام الأطفال بحكايا التراث وتمتعهم بأذن »سميعة« وتجاوبا لم يكن يتوقعه من قبل، مضيفا بأن ما ينقص هذا الجمهور الذي وصفه بالرائع هو الحكواتي المحترف، باعتبار أن الذين ينشطون على المستوى المحلي ينقصهم التكوين والخبرة والإحتكاك بتجارب الاخرين، ممن حققوا قفزة نوعية في مجال الحكي وسرد القصص والأساطير القديمة، المستوحاة من التاريخ والتراث على حد سواء. بدأ عزيز بوصلاح مساره الفني في التسعينيات، حيث لم يكن يعلم أن القصص التي احتفظت بها ذاكرته الصغيرة اثناء الطفولة، وحملها معه الى فرنسا، التي قرر الاستقرار بها من أجل ممارسة المسرح، ستجعل منه يوما ما حكواتيا مطلوبا لدى الجمهور، بعدما لقي كل التشجيع من محيطه المتكون من أصدقائه الجزائريين والفرنسيين على حد سواء، ومن هنا بدأت رحلة عزيز بوصلاح في عالم الحكاية عبر المكتبات والمدارس، والمؤسسات الثقافية. شب عزيز بوصلاح على الحكاية حتى شاب عليها، حيث لايزال يتذكر تفاصيل تلك الجلسات التقليدية والحكايات الجميلة المستوحاة من تراثنا الثري والعريق. التي كانت تقصها عليه والدته، الجالسة على »الهيدورة« واضعا رأسه على إحدى ركبتيها وهي تحك رأسه بأطراف أصابعها، وكالعادة تستهل الحكاية كان يقول محدثنا ينتظر هذا الموعد بفارغ الصبر من أجل قضاء لحظات وأوقات لا تعوض، فهذه الجلسات ساهمت الى حد ما في تربيتهم، ذلك ان الحكاية الشعبية مليئة بالحكم والرسائل الهادفة، التي تستخلص من الدروس والعبر وهي تقاليد توارثها الأجداد عن الأسلاف، لكنها للأسف الشديد يضيف محدثنا تلاشت واندثرت بمجرد دخول التلفزيون الى البيوت لتصبح هذه »القعدات« الجميلة في خبر كان.. لقد حرص عزيز بوصلاح على جمع كل الحكايا التي كانت تقصها عليها والدته وحتى تلك التي كانت متداولة لدى أفراد عائلته وكل المقربين منه، وبعد تسجيلها شرع في تنقيحها وترجمتها الى الفرنسية مع الإحتفاظ بالكثير من الكلمات أو المصطلحات المتداولة باللغة العربية أو »العامية« حتى لا تفقد الحكاية معناها، على غرار حكاية »حديدوان« و»بقرة اليتامى« والعديد من القصص وحكايات زمان، والتي لاتزال تحظى بإعجاب الجمهور الأجنبية والعربي، لاسيما الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا، التي تحرص على التشبث بالأصالة والتراث وعادات وتقاليد الأسلاف..