منذ التاسع من إبريل الماضي، تاريخ تسلم عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة مؤقتاً في الجزائر ودعوته إلى تنظيم انتخابات رئاسية في الرابع من يوليو المقبل، بدعم مطلق من المؤسسة العسكرية، يحيط الجمود بالمشهد السياسي، لا سيما بعدما جدد الجيش يوم الثلاثاء الماضي، تمسكه ببن صالح وبالحكومة برئاسة نور الدين بدوي وبالحل الدستوري المؤدي إلى الانتخابات الرئاسية. في المقابل ردّ الحراك الشعبي المتمسك بمطالبه، برفض أي بقاء لرموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ورفض إجراء الانتخابات الرئاسية تحت وصايتهم. كما يطرح الحراك الشعبي الذي تدعمه قوى المعارضة السياسية بدائل سياسية بدت واضحة في الشعارات التي رُفعت في الجمعة الأخيرة من الحراك، وهي متعلقة بتعيين رئيس انتقالي وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة وهيئة عليا، تشرف بالكامل على تنظيم الانتخابات، وسط إصرار على عدم تسليمه بعهدة الحل السياسي للجيش. ويمكن تلخيص نقاط الخلاف بين الجيش والحراك المدعوم من المعارضة بثلاث نقاط أساسية. تتعلق النقطة الأولى من الخلافات بمسألة تنحّي رموز نظام بوتفليقة التي ظلّت في السلطة، إذ يرفض الحراك استمرار بن صالح وبدوي ورئيس البرلمان، معاذ بوشارب. ويحظى هذا المطلب باجماع كامل لدى المعارضة وعدد من قوى الموالاة نفسها التي ترى أن بن صالح وبدوي وبوشارب يمثلون عقدة في الأزمة، لا جزءاً من الحلّ. وفيما يطالب الحراك الشعبي بإبعادهم بسبب تمثيلهم لسياسات بوتفليقة ودعمهم لترشحه لولاية رئاسية خامسة، يعترض الجيش على هكذا مطلب، ويعتبر أن بقاءهم لا يتعلق بشخصياتهم، بقدر ما يتصل بالاستحقاقات الدستورية التي تضع بن صالح كرئيس سابق لمجلس الأمة في منصب رئيس الدولة لمدة 90 يوماً وفقاً لنصّ المادة 102 من الدستور. وهو النصّ نفسه الذي لا يسمح بإجراء تعديل أو إقالة للحكومة الحالية إلا إذا اختارت الاستقالة الطوعية وفقاً للمادة 104 من الدستور. لكن رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، أبدى اعتقاده في تقدير موقف نشره يوم السبت الماضي، أن “تخطي هذه العقبة الأولى ليس ببعيد المنال إذ يعتمد فقط على إرادة سياسية واضحة وثابتة، وتجد سندها في الدستور الذي يسمح بتطبيق المادتين 7 و8” اللتين تنصان على تطبيق السيادة الشعبية. واعتبر بن فليس أنه “لم يُستوف أي شرط ضروري لإجراء الانتخابات الرئاسية في أفضل الظروف، وفي السياق الحالي وفي غياب أدنى اتفاق حول التحضير للانتخابات وعملية تنظيمها ومراقبتها، فإن إجراء الرئاسيات في الأجل المحدد هو أمر بعيد، بل وبعيد جداً، عن أن يكون الحل للأزمة. بل تشكّل مخاطر حقيقية تزيد الطين بلة”. ودعا إلى تأجيل الانتخابات من “أجل السماح بعملية إجرائها اللاحق في ظروف أكثر قبولاً وأقلّ اعتراضاً عليها”. نقطة الخلاف الثانية التي تتصادم فيها المواقف بين الجيش والحراك والمعارضة، تتصل بالانتخابات الرئاسية. ويرى الجيش أن “الانتخابات هي المخرج الممكن الذي يتيح للشعب التعبير عن إرادته السيدة”، بحسب آخر خطاب ألقاه قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح يوم الثلاثاء الماضي. ويصرّ الجيش ورئيس الدولة على نقل العهدة إلى رئيس شرعي ومنتخب، يتولى استكمال تحقيق باقي التطلعات الشعبية، ويعتبر الجيش أن عدم الذهاب إلى انتخابات يوليو يضع البلد في حالة فراغ دستوري بسبب انتهاء العهدة الرئاسية الدستورية لبن صالح في التاسع من يوليو. ولم يتردد الجيش في تقديم تعهد بمواكبة الانتخابات، إلا أن رؤساء البلديات والقضاة يرفضون الإشراف عليها. كما يناهض الحراك الشعبي والمعارضة فكرة إجرائها في موعدها لسببين. السبب الأول يتمثل في عدم توفّر الشروط المطروحة لتنظيم الانتخابات، بما في ذلك إنشاء هيئة عليا مستقلة للانتخابات، تتولى بشكل كامل الإشراف على تفاصيل العملية، من تسجيل الناخبين وقبول المرشحين إلى الإشراف على الاقتراع وإعلان النتائج. وهو ما لا يتيحه عامل الوقت الذي يضغط بشدة. وبافتراض إجراء الانتخابات في موعدها، فإن موعد تسليم ملفات الترشيحات يبدأ في 23 ماي الحالي، من دون أن يكون أي من الشخصيات السياسية وقادة الأحزاب قد سحب استمارات الترشيح وجمع التفويضات المطلوبة (60 ألف توقيع من الناخبين أو 600 توقيع من أعضاء المجالس المنتخبة)، على أن يبقى للمجلس الدستوري إعلان قائمة المرشحين المقبولين في الثالث من جوان المقبل، لتبدأ بعدها الحملة الانتخابية في 9 جون. وهذا غير ممكن في الوقت الحالي. أما السبب الثاني لرفض الانتخابات فيرتبط بالاعتراض الجماعي على إشراف بن صالح وبدوي على الانتخابات. ثالث نقطة خلاف عالقة بين الجيش والحراك الشعبي، تتصل بمقترح المرحلة الانتقالية والهيئة الرئاسية، التي يطرحها الحراك والمعارضة السياسية. ويسود اعتقاد لدى الطرفين أن الحل يكمن في “إنشاء هيئة رئاسية تتكون من ثلاث شخصيات نزيهة ومستقلة، تدير فترة انتقالية محدودة لا تتجاوز السنة، وتكلّف حكومة كفاءات مستقلة، تعمل عل تعديل القوانين المتعلقة بالانتخابات وإنشاء هيئة مستقلة عليا، تنقل إليها بشكل كامل صلاحيات تنظيم ومراقبة الانتخابات، بدلاً من وزارة الداخلية”. وفي السياق، أبدى رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، اعتقاده في تقدير موقف نشره يوم السبت الماضي، بأن “السبيل الوحيد لحلّ الأزمة، يكمن في الدخول في مرحلة انتقالية محددة من قبل رئيس، أو مجلس رئاسي، مكوّن من أشخاص مثقفين، يملكون خبرة في التنظيم، ويتمتعون بالسيرة الحسنة والسمعة الطيبة لدى الشعب. كما لم تكن لهم مشاركة في الحكم طيلة مرحلة بوتفليقة، وليسوا من جماعة الريع ولا من أوليائهم”. غير أن الجيش يعتبر أن المرحلة الانتقالية وفكرة الهيئة الرئاسية، مجرد مقترح “مغرض” ومحاولة للسطو على الإرادة الشعبية، بل يشتبه في أن قائد المخابرات الأسبق محمد مدين والسعيد بوتفليقة، شقيق بوتفليقة، المعتقلين من قبل القضاء العسكري، يقفان وراءه. بدوره، رأى الناشط مهدي بسكري أن “الإشكال الأساسي الراهن في الجزائر، نابع من تدخل قيادة أركان الجيش في الشؤون السياسية. وهذا أمر يجب أن يتوقف، لأنه قد يورّط الجيش”. وأضاف في حديثٍ ل”العربي الجديد”، أن “الجيش القوي هو عندما يكون محايدا، وتسييس الجيش يُضعف المؤسسة، ومطالب المجتمع واضحة وهي: رحيل عناصر النظام المنبوذة وتكريس دولة القانون”. ولفت إلى أنه “إذا استمر الضغط من طرف المجتمع، فإن قيادة أركان الجيش ستتوجه إلى تقديم تنازلات حتماً على بعض النقاط المختلفة فيها مع الحراك، كاستقالة الحكومة ورئيس البرلمان مثلاً”.