ما الذي يجري في منطقة شمال إفريقيا، وغربها تحديدا، وعلاقته بحوض البحر المتوسط، والصراع الجيوبوليتيكي المعولم، في طبعته الجديدة للعقد الثالث، من القرن الحادي والعشرين؟ من الواضح أننا أمام قراءات مختلفة، تبقى فيها القارة السمراء المحور ونقطة الارتكاز، لا سيما وأن القوى الدولية الكبرى تتكالب عليها، وغالبا ستكون ميدان معارك طاحنة، في العشرية المقبلة. قبل الإسهاب، ربما ينبغي الإشارة إلى أن إفريقيا كانت دولة مستعمرات أوروبية، وظلت على هذا النحو حتى منتصف القرن العشرين، أي إلى حين اشتعال ثورات التحرر الوطني. غير أن إفريقيا، الثائرة على المستعمر، لم تعرف الطريق إلى النماء والبناء، أو التنمية المستدامة، ولهذا آلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن، حيث الغرماء يقتسمون أرديتها ويقترعون على مواردها. ما يحدث في شمال القارة الإفريقية، غير منفصل عما يدور داخلها جنوبا، لاسيما وأن البعض يود أن يجعل من بعض المواقع والمواضع في تلك المنطقة كعب أخيل لإعادة رسم الخريطة الإرهابية العالمية مرة جديدة. ولعل الناظر إلى ليبيا بنوع خاص، يدرك صدق وموثوقية ما نقول، وهو بغير اختصار مخل ولا تطويل ممل، يدور في سياق المحاولة التركية الجارية على قدم وساق، لإيجاد ثغرة في الجسد الإفريقي، تبدأ من طرابلس وتنفذ إلى عمق النيجر ومالي وتشاد وكينيا وبقية الدول الإفريقية، التي تعرف درجات مختلفة من الاختراقات الأمنية. ما يسعى إليه أردوغان هو إعادة إنتاج التجربة الداعشية على الأراضي الليبية، ولهذا يسابق الزمن، لنقل دواعش سوريا والعراق من إدلب إلى الداخل الليبي، لمساندة حكومة السراج المنحلة، التي لا تتجاوز جماعة الدواعش والقاعدة، وفصائل الإخوان المسلمين، وعلى أمل أن يقدر لهؤلاء الانتصار على الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. حلم أردوغان في الخلافة العثمانية الجديدة لا يموت، وإذا كان قد أخفق في بلاد الشام، فلماذا لا يجرب في نقله إلى إفريقيا مرة جديدة، وفيها من جماعات الشباب، وبوكو حرام، وغيرهما الكثير، الذي يمكن أن يكون معينا بشريا لا ينضب في العقود المقبلة، مع الأخذ كذلك بالاعتبار الفضاءات الشاسعة جغرافيا وعقليا، التي تتيح لفيروس الإرهاب أن ينتشر وينمو، ولتذهب شعوب المنطقة ما شاء لها أن تذهب. السؤال الرئيس في هذه السطور: ما الذي تفعله القوى الدولية الكبرى في ما يخص شمال إفريقيا وعمق القارة؟ وهل تسعى بالفعل لمجابهة الإرهاب أم أنها تتصارع في ما بينها وعبر استراتيجيات غير خلاقة من أجل تحقيق مصالح براجماتية ضيقة، في حين يبقى الخطر واقفا خلف الأبواب، يشتهي أن يتسيد العالم؟ يمكن الجواب بداية من حالة الميوعة الدولية، التي يواجه بها أردوغان في الأيام الأخيرة، خاصة في ظل الاستعدادات لنقل قوات تركية من ميليشيات وإرهابيين من اليمين واليسار إلى ليبيا، ثم تنفيذ بقية المخطط بجانبيه.. ماذا عن ذلك؟ من الواضح أن كراهية تركيا لأووربا سوف تجد مساقات لتفريغ شحناتها العدائية، حال تمكن الإرهابيون المدعومون من تركيا، من الاستقرار والاستمرار على الشاطئ المقابل لأوروبا، وتحديدا بالنسبة لفرنسا وإيطاليا وألمانيا. أغلب الظن أن أردوغان سيحاول الانتقام من الأوروبيين من جهتين، الأولى بفتح الحدود من ناحيته للمهاجرين واللاجئين، رغم مليارات الدولارات التى تدفعها له أوروبا، ومن ناحية ثانية عبر فتح شواطئ البحر المتوسط لآلاف المهاجرين غير القانونيين، لإسقاط أوروبا كما فعل القوط مع الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلاي. هل أوروبا واعية لهذا المخطط، أم أنها مشغولة في صراعها مع الأميركيين والصينين والروس، من أجل السيطرة على إفريقيا واستعمارها مرة جددية وإن بشكل مقنع؟ قبل أسابيع كان الحديث الدائر أوروبيا، عن مشروع فرنسي لمجابهة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، وعن تعاون كبير بين الأوروبيين لصد نشوء وارتقاء الدواعش في طبعتهم الجديدة مرة أخرى. لكن التحركات الأوروبية في إفريقيا، وإن كانت محمودة بدرجة أو بأخرى، لا تبدو كافية للقضاء على الإرهاب هناك، بقدر محاولتها ترسيخ الحضور الأوروبي واستعادة نفوذ القارة العجوز في القارة خاصتها إن جاز التعبير. ولعل ما يعطي المرء إشارات غير مطمئنة، بالنسبة لما يحدث في شمال إفريقيا، الموقف الأميركي، من ناحية أردوغان بداية، ومحاربة الإرهاب هناك ثانية. تمخض الجبل الأميركي وأعلن أن الاتفاقيات التركية الليبية مستفزة، وهذا هو كل شيء، وكأن هناك في الخارجية الأميركية من لا يزال يدعم مشروع الإخوان في ليبيا، بعد أن انكسر في مصر، ومعروف أن هيلاري كلينتون تحديدا، كانت تقف وراء هذا الطرح ويداها ملوثتان بدماء السفير الأميركي هناك حتى الساعة. أما عن الدور الأميركي في محاربة الإرهاب في إفريقيا، فقد استمعنا في الأيام القليلة الماضية، لحديث عن استراتييجة أميركية جديدة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي. هل النية الأميركية خالصة وصادقة لمحاربة الإرهاب، أم أن واشنطن تود قطع الطريق على الأوروبيين أولا، وتاليا تنفذ إلى عمق القارة الإفريقية حيث روسيا والصين باتا تحتلان موانئ ومواقع وقواعد في جيبوتي على ساحل البحر الأحمر؟ الخلاصة: الصراع الأممي مفتاح إرهاب لا يصد ولا يرد، برعاية تركية في القارة الإفريقية، فانظر ماذا ترى. سكاي نيوز