تتصاعد التحركات العمالية في الجزائر، إزاء موجات التسريح المستمرة، في ظل تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد، حيث لوحت بالتصعيد ضد الحكومة، في حال عدم اتخاذ خطوات من شأنها حماية حقوق العمال وتحسين الظروف المعيشية لهم. وبدأت كونفدرالية النقابات الجزائرية (تكتل نقابي يضم 17 نقابة مستقلة) في إحصاء عدد العمال المسرحين في مختلف أنشطة القطاع الخاص، وتتبع الإجراءات التقشفية أيضا التي تم اتخاذها بحق موظفي القطاع الحكومي والمؤسسات العامة. وقال مسعود بوديبة، الناطق باسم الكونفدرالية في تصريح ل"العربي الجديد" إن "جائحة كورونا لا يجب أن تكون حجة لضرب حقوق العمال المكتسبة، فهذه الشريحة تدفع غاليا منذ سنوات ثمن السياسات العمومية الفاشلة"، مشيرا إلى ارتفاع نسب انتهاكات حقوق العمال في الأشهر الأخيرة، حيث تعرض الكثيرون للطرد من العمل خارج إطار القانون. وأضاف بوديبة: "إلى حد الساعة لم تتحدث الحكومة عن مصير العمال المفصولين أو المحالين على العطل الإجبارية دون أجر، وتركتهم يواجهون مصيرهم وحدهم، بينما أقرت دول مثل فرنسا منحة بطالة مؤقتة للعمال المتضررين من كورونا". وتابع أن الكونفدرالية رفعت عقب اجتماع لها مؤخرا، عدة مطالب إلى الحكومة، تتضمن بجانب الحفاظ على حقوق العمال، مراجعة الأجر الأدنى المضمون (الحد الأدنى للأجور)، لأنه غير كاف، وإنشاء مرصد وطني لتتبع القدرة الشرائية وغلاء المعيشة، مع ضرورة إعادة النظر في المنظومة الجبائية الوطنية، بما يحقق العدالة بين جميع المشتركين وجعلها أكثر مرونة". وكانت وزارة العمال الجزائرية، قد كشفت عن تضرر نحو نصف مليون عامل من جائحة كورونا الجديد، التي ألقت بظلال سلبية واسعة على مختلف الأنشطة الاقتصادية في الدولة. وقالت الوزارة في تقرير، حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، إنه جرى إحصاء 200 ألف عامل من دون مداخيل مالية منذ مارس/آذار الماضي، و50 ألفاً فقدوا عملهم نهائياً، و180 ألف عامل شهدت رواتبهم تأخراً بين شهرين وثلاثة أشهر. وشمل التقرير المنتظر رفعه للرئيس عبد المجيد تبون، عينة من العمال بلغ حجمها نصف مليون عامل في القطاعين العام والخاص، ما يجعل النتائج نسبية، كون سوق العمل يضم قرابة 10 ملايين عامل. وقال عبد الرحمن بن عوكلي، الباحث في المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي (تابع لرئاسة الحكومة)، إن الوباء أدى إلى إغلاق مئات الشركات في مختلف القطاعات. وأضاف عوكلي ل"العربي الجديد" أن "دراسة قام بها المجلس مؤخراً تقدر حجم فاقدي العمل بين 100 ألف و150 ألف شخص منذ بداية الأزمة الوبائية، سواء في مناصب شغل مباشرة أو غير مباشرة، أو في مناصب شغل مؤقتة". ولم تنشر الحكومة الجزائرية الأرقام الدورية المتعلقة بتطور البطالة، منذ بداية العام الجاري، حيث تعود آخر الأرقام إلى نهاية 2019، حيث بلغت نسبتها 12.5%، بما يعادل 2.5 مليون شخص، وفق الديوان الجزائري للإحصائيات. وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي قد توقع، في دراسة له في يوليو/تموز الماضي، أن تتجه الدولة نحو تسجيل نسب غير مسبوقة للبطالة تتراوح بين 17% و20%. وأدت جائحة كورونا إلى شل الاقتصاد المتعثر بالأساس، بفعل استمرار تهاوي عائدات النفط الذي يمثل أكثر من 92% من الإيرادات، حيث تراجعت صادرات الخام في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 25% مقارنة بنفس الفترة من 2019. وكان وزير الطاقة، عبد المجيد عطار، قد قال في تصريحات للإذاعة الرسمية في يوليو/تموز الماضي، إن بلاده تتوقع هبوط إيرادات النفط والغاز إلى 23 مليار دولار في العام الجاري، مقابل 33 مليار دولار في 2019. وتوقع صندوق النقد الدولي مؤخراً، انكماش الاقتصاد الجزائري بنسبة 5.2% هذا العام، فضلا عن ارتفاع العجز المالي للبلاد إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي. وأقر رئيس الوزراء عبد العزيز جراد بأن "الجزائر تعيش وضعا اقتصاديا صعبا غير مسبوق ناتج عن أزمة هيكلية للحكومات السابقة، إضافة إلى انهيار أسعار البترول وأزمة فيروس كورونا". وفي يونيو الماضي، قررت الحكومة خفض إنفاقها إلى النصف، ووعدت بأنها لن تمس نظام الدعم الشامل الذي يغطي الغذاء والطاقة والإسكان، بينما كشفت في وقت سابق من أغسطس/آب الجاري، عن خطة لإصلاح وإنعاش الاقتصاد. وقال الرئيس تبون خلال الإعلان عن خطة الإنعاش الاقتصادي، إن بلاده تسعى لتصدير ما لا يقل عن 5 مليارات دولار خارج المحروقات، ابتداءً من العام المقبل 2021، مشيرا إلى ضرورة تنويع الصادرات وتشجيع الاستثمار من أجل بناء اقتصاد وطني جديد ووضع حد للتبعية لعائدات المحروقات. وأضاف تبون أن اعتماد الاقتصاد الوطني بصفة شبه كلية على ريع وعائدات المحروقات هو "اعتماد قاتل للذكاء والمبادرات"، مؤكدا أنه ابتداء من السنتين القادمتين، سيتم تقليص الاتكال على عائدات المحروقات إلى 80% على الأقل مقابل 98% حالياً.